باتت الممارسات التمييزية جزءا "أصيلا" من "السيستم القائم"، ولعل الحديث عن عدم وجود تمييز في بعض المواقع الرسمية هو استثناء من القاعدة، وبالتالي فإن حديث النائبين محمد عباس آل الشيخ، وعبدالله العالي عن تمييز في وزارة التربية والتعليم، يبدو ضمن السياق الكلاسيكي، ولا يخرج عما هو متداول من قصص يومية تغص بها البيوت. .. وكنت أحد العاملين في هذه الوزارة قبل التحاقي بـ "الوسط" ولمست التمييز الفاقع فيها، الذي يجعل اشباه تربويين في مواقع تدمر العملية التربوية، وزيارة واحدة إلى مكاتب وزارة التربية، وإلى المدارس ستكون كافية لتلمس أن الكفاءة ليست الأساس في التوظيف والترقي.
ومع ذلك، قد لا يكون مناسبا اعتبار الوزير ماجد النعيمي مذنبا منذ الآن، وهو "متهم حتى تثبت إدانته" في الاتهام السياسي "الاستجواب" الذي يتردد أنه سيوجه إليه قريبا من طرف بعض أعضاء الكتلة الاسلامية، في ظل أحاديث من شخصيات ذات وزن أن النعيمي "من تجربة" لا يستجيب للواسطة، ويجتهد للتعاطي مع عصر الاصلاح، وإن كان الشك في محله بشأن قدرة أجهزة الوزارة المحافظة على مسايرة مبدأ "تكافؤ الفرص"، وهي التي مارست عن سبق إصرار وترصد تمييزا فاقعا ضمن سياق سياسي مليء باللا تعقل.
ولعل واحدة من الإجراءات التي يبدو النعيمي غير موفق فيها تتعلق برفضه تزويد البرلمان بأسماء الخريجات على قائمة الانتظار، بدعوى أنهن غير موظفات في الوزارة، فيما يبدو طلب الجهاز الرقابي مثل هذه المعلومات منطقيا وقانونيا، وهو ما يوقع النعيمي في اشكالية قد يكون في غنى عنها، ويزيد من الشك في مدى نزاهة سياسات التوظيف، علما أن وزارة التربية كانت ترفض في سنوات سابقة نشر أسماء وبيانات الحاصلين على البعثات، كما كانت جامعة البحرين ترفض نشر بيانات الطلبة المقبولين فيها، فيما تنشر هذه المعلومات على الملأ منذ تدشين المشروع الاصلاحي، وكذا ينشر موقع وزارة العمل الالكتروني بيانات لباحثين عن عمل وصورهم وسيرهم الذاتية، ما يعني أن موقف وزير التربية غير منسجم مع السياسات الحكومية التي تدعي زور، الشفافية في توفير المعلومات، على رغم أني أسجل هنا أن النعيمي من الوزراء المتعاونين مع المؤسسة التشريعية، فيما يرفض غيره حتى الحضور تحت قبة البرلمان.
إلى ذلك، فإنه يمكن توقع فشل استجواب الوزير النعيمي، بل ربما عدم القدرة على تقديمه أصلا، وهو أقرب إلى الاستجوابات "من دون طعمة" التي يعلن عنها "المنبر الإسلامي"، بين حين وآخر، ثم تموت كأن شيئا لم يكن.
وبحسب المادة 65 من دستور ،2002 فإنه "يجوز بناء على طلب موقع من 5 أعضاء من مجلس النواب على الأقل أن توجه إلى أي من الوزراء استجوابات عن الأمور الداخلة في اختصاصاته"، وعلى الأغلب فإن هؤلاء الخمسة غير متوافرين، كما سأوضح، علما أن دستور 1973 كان يعطي الحق لنائب واحد في تقديم استجواب، كما ورد في المادة "67" منه، التي تنص على أن "لكل عضو من أعضاء المجلس الوطني أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء استجوابات عن الأمور الداخلة في اختصاصهم..."، ويمكن الملاحظة هنا أن فارقا آخر بين الدستورين، يتعلق بالحق في تقديم استجواب إلى رئيس الوزراء في دستور ،1973 وهو أمر لا يذكره دستور .2002
باستثناء آل الشيخ والعالي اللذين أعلنا مضيهم في الاستجواب، فإنه لا أحد آخر دعم هذا التوجه. وبحسب المعلومات المتوافرة فإن وزير العدل محمدعلي الستري "تعهد" إلى وزير التربية بأن جمعية الرابطة الاسلامية التي هي العمود الفقري لـ " الكتلة الإسلامية" ستقف ضد الاستجواب، ويدعم هذه المعلومات، معلومات أخرى مؤكدة أخرى تفيد أن النائب أحمد حسين أكد للوزير النعيمي أنه ضد الاستجواب، فيما أعلن النائبان عيسى بن رجب، ومحمد حسين الخياط صراحة أنهما ضد الاستجواب، وعلى الأجح فإن موقف رئيس الكتلة الاسلامية علي السماهيجي هو شبيه بموقف بن رجب والخياط.
أما الكتل النيابية الأخرى "الأصالة، المنبر الاسلامي، المستقلين"، فإنها ضد الاستجواب لأسباب مصلحية في الأساس، فضلا عن ضعف القوى الواقفة مع الاستجواب، أما كتلة الديمقراطيين فإنها مع الاستجواب "مبدئيا"، لكنها لن تمضي قدما فيه إلا إذا كانت الأدلة دامغة في إدانة النعيمي، وهو ما لا يبدو متوافرا عند النائبين العالي وآل الشيخ.
وعلى افتراض توقيع خمسة نواب على طلب الاستجواب، فإن احتمالات سقوطه في لجنة الخدمات التي سيحال إليها الاستجواب سيكون مؤكدا، وهي اللجنة التي أيدت عدم استجواب الوزراء في ملف "الهيئتين" الشهير، على رغم كل الدلائل الكثيرة على وجود فساد، علما أن النائب عبدالله العالي كان مؤيدا لتقرير اللجنة الذي لم يدن الوزراء.
التمييز ليس محل إجماع في البلد، كما هي القضايا الأخرى الكبرى. وهو ما يصم - بسهولة - تحرك العالي والشيخ بـ "الطائفية"، في مجلس تمارس فيه المحسوبيات جهارا نهارا في التوظيف، ويعجز النواب المحسوبون على المعارضة - الذين يمثلون أقلية - عن مساءلة رئيس المجلس والأمين العام عن هذه السياسات غير الحكيمة، فيما يبدو نواب الموالاة مؤيدين لهذه السياسة المقززة أو يتفهمونها.
سقوط استجواب الوزير النعيمي لا يعني انتهاء المشكلة، ذلك أن على وزارة التربية مسئولية أخلاقية تجاه أبناء البلد وقادة المستقبل، فكيف يمكن لها أن تربي جيلا مؤمنا بالمواطنة، وهي متهمة بممارسة عكس ذلك؟
العدد 912 - السبت 05 مارس 2005م الموافق 24 محرم 1426هـ