خبر إنشاء جمعية حقوقية شبابية جديدة، يطرح سؤالا ملحا مفاده: هل نحن بحاجة إلى جمعيات حقوقية أخرى؟! البحرين التي باتت تتنفس أخيرا بعد سلسلة من القمع والاعتقال والنفي، بدأت تتراجع تدريجيا، بعودة ممارسات قديمة أراد الشعب ألا تعود فيه ذكرياته الأليمة يوما! عادت بعض الانتهاكات، وكثرت الاعتصامات، وكثرت اللجان الحقوقية المؤقتة لحلحلة أزمة ظاهرة "الموقوفين الجديدة". لذلك بات تشكيل جمعية حقوقية جديدة ضرورة لابد منها، إن بقي الحال على ما هو عليه.
ولكن هل زيادة الجمعيات الحقوقية سيحد من الانتهاكات وظاهرة التوقيف الجديدة؟! يصعب الإجابة بنعم، ولاسيما ان الحكومة لا تعترف كثيرا بهذه الجمعيات، ولا تقيم لها وزنا، وتضرب بمطالبها عرض الحائط، بل وتهدد كل من تسول له نفسه بالضغط وإقامة الندوات بالإغلاق بالشمع الأحمر، وضرورة احترام قانون الجمعيات الصادر العام 1989 الخانق!
اليمن أسس وزارة لحقوق الإنسان على رغم اشكال تبعية مسألة "الحقوق والانتهاكات" إلى السلطة التنفيذية حتى لا تكون بمثابة "الخصم والحكم"، إلا أنها دليل على اعتراف الحكومة بدور الكيان والمؤسسة الحقوقية والسماح لها بالتحقيق والقيام بدورها، والاستماع لها، والآن تسعى اليمن بحسب تصريح وزيرة الحقوق اليمنية أمة العليم السوسوة إلى "الوسط" إلى مأسسة الوزارة وتحويلها إلى مؤسسة وطنية مستقلة عن الحكومة ولكنها تحظى باعترافها!
وفي المغرب أسست الحكومة مجلسا لحقوق الإنسان، وأسس الملك محمد السادس بشكل مباشر لجنة الإنصاف والمصالحة لتحقق في قضايا الانتهاكات والتعذيب والاعتقال السياسي الذي امتد من الخمسينات حتى التسعينات في المغرب.
وفي مصر أسست الحكومة بالتعاون مع الجمعيات الحقوقية التي يقترب عددها من العشرين جمعية، المجلس القومي لحقوق الإنسان.
يبدو ان القضاء على الانتهاكات في أوطاننا التي تنتهك حقوق الإنسان يوميا بدم بارد وبقلب قاس، ولا تعيرها اهتماما ينطلق من رغبة حكومية، وليس بزيادة الجمعيات الحقوقية التي جف ريقها، وتعبت أحبالها الصوتية من شدة الصراخ!
هذا لا يعني ان المنظمات الحقوقية "التي لا تكتفي بالصراخ والبيانات فقط" غير قادرة على التأثير إذا عملت بشكل جدي على صوغ التقارير الموازية وتسليمها إلى اللجان المختصة في الأمم المتحدة، والنقاش مع الأطراف الحكومية في جنيف وبيان ضعفها وضعف تقاريرها التي لا تسلمها إلا بعد إلحاح شديد من اللجان!
منظماتنا الحقوقية لا تستطيع أن تؤثر من الداخل لعدم استجابة السلطات لها إلا حينما تزيد من جرعة الاحتجاج ربما، لذلك فهي لا تنجح غالبا إلا في المعارك الدولية!
التحدي الآن الذي يواجه الجمعية الجديدة، هو قدرتها على خوض معارك دولية شريطة أن تتقن اللعبة! ما لم تقتنع الحكومة بضرورة الاعتراف بقضية حقوق الإنسان
العدد 911 - الجمعة 04 مارس 2005م الموافق 23 محرم 1426هـ