ما مقياس الكفاءة؟ هل هي الشهادة الاكاديمية؟ هل هي الخبرة العملية؟ هل هو التفوق الاكاديمي؟ هل هي القدرات الذهنية؟ أين نكتشف هذا كله؟ الإجابة التي تقفز على لسان أي منا: الامتحان.
لكن هل سيكون الامتحان هو الفيصل النهائي الذي سيضمن لنا العدالة والشفافية في الحصول على الوظائف والترقي ويجعلنا في آخر المطاف نشعر بالرضا الداخلي من أن الأمور تسير وفق مقاييس صارمة من الموضوعية؟
الامتحان سيظل هو الأداة المثلى في هذا الصدد، لكن يتعين علينا دوما أن نسأل عن الوجهة، الهدف والمقاربة. أي بمعنى آخر: ماذا نريد من الكفاءات؟
أتذكر هذا الجدل دوما كلما واجهنا ذلك المطلب الذي يتردد على لسان كثيرين: الشفافية والعدالة في التوظيف والترقي والبعثات والتعيينات. ولاحقا التلويح في البرلمان باستجواب لهذا الوزير أو ذاك عن العدالة والشفافية في التعيينات والتوظيف في وزارته. وبالمقابل نتذكرها كلما أكد المسئولون أنهم يديرون وزاراتهم واجهزتهم بمقاييس الشفافية والعدالة ويعتمدون مقياس الكفاءة فقط.
ليس لأي من هؤلاء نوابا أو مسئولين أو ناشطين أن يجعلنا نشعر بالاطمئنان والاقتناع التام بأن "الكفاءة" هي المقياس الوحيد لكل هذا الجدل والتراشق بالاتهامات لسبب بسيط للغاية: الكفاءة لا تعرف لونا ولا دينا ولا مذهبا ولا عرقا. إنها تقاس بالإنجاز.
إن تمعنت جيدا في البحرينيين، ستجدهم أصحاب بلاغة عندما يتعلق الأمر بالجدال في كل القضايا وبإمكانهم إدهاشك بالمسميات والمصطلحات. وهم إلى هذا يبدون دوما مشبوبي العاطفة كلما تعلق الأمر بالعدالة لأنها تمس الجميع، لكن عيونهم في النهاية معلقة بكشوف الاسماء: "كم من السنة وكم من الشيعة؟".
هذا هو مقياس العدالة والشفافية الرائج الآن، وهو مقياس يتم الاحتكام اليه كعاطفة داخلية في كل شيء على رغم بلاغة الخطب والإصرار الذي لا ينقطع على شرط الكفاءة حتى لو تعلق الأمر بصفحات المجتمع في الصحف. فقراءة خبر صغير عن ترقيات في مصرف أو شركة يمكن أن تتم حتى بدافع الفضول، لكن الفضول تحركه تلك العاطفة الداخلية إياها: كم من الشيعة وكم من السنة من مجموع الموظفين الذين تمت ترقيتهم.
وبإمكان الغارقين في هذا الجدل وأصحابه، أن يقدموا لك من البراهين ما سيجعلك توقن بالنهاية أن هذا واقع لا فكاك منه ولا سبيل لإصلاحه. انظر إلى هذه الوزارة أو تلك أو هذه أو هاتيك؟ انظر إلى ذلك المصرف وانظر إلى تلك الشركة؟ كلها تبدو مثل الاقطاعيات والواقع الكريه هذا يشير من دون مواربة إلى أنه لم يترسخ سوى على قاعدة الفعل ورد الفعل.
هل من سبيل لإصلاح هذا الواقع؟ هل يمكننا أن نبني آمالا على كل هذا البلاغة في الحديث عن الكفاءة؟ لنعد إلى سؤالنا ذاك: ماذا نريد من الكفاءات؟
حسنا، ماذا ستقولون إذا كان هناك طبيب يعالج الكسور بجبيرة طبيب شعبي تقليدي "بيض وصابون وأعواد خشبية" لن تجدوا غير الاستنكار كرد فعل. وعليكم من وحي هذا المثال أن تقرروا ما اذا كان يكفينا أن نطمئن لمذهب الطبيب أو عرقه لكي نقبل أي علاج يقدمه لنا. العبرة من جديد تلوح بقوة، لا علاقة للكفاءة بمذهب الطبيب ولا لونه ولا عرقه ولا بعواطفنا. فإذا كنا نحب أن نتعامل مع أطباء بحرينيين، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن أي طبيب بحريني نصادفه سيكون كفاءة بالضرورة.
ماذا نريد من الكفاءات؟ ما الوجهة وما الهدف وما المقاربة؟ يتعلق الأمر دوما بالتعريفات: ماذا نريد من الخدمة الصحية طالما أننا ضربنا مثالا يتعلق بالأطباء؟ مستشفيات تعالج الأمراض يوما بيوم أم خدمات نوعية وأبحاث تدرس الأمراض المستوطنة وتحسن قدرتها على العلاج؟ ماذا نريد من التعليم؟ تخريج طلاب يحفظون الدروس عن ظهر قلب أم يملكون قدرات ذهنية عالية؟ ماذا نريد من الرياضة؟ بطولات أم أجسام سليمة معافاة لأجيال من البحرينيين؟ ماذا نريد من أساتذة الجامعة؟ تخريج أكبر عدد ممكن نباهي به في إحصاءات انتشار التعليم الجامعي أم خريجون متميزون ولامعون؟ أم تخريج أنوية صلبة لمراكز دراسات وبحوث في كل المجالات أم تخريج أجيال مشبعة بروح البحث العلمي في كل مناحي الحياة؟
ثمة خلاف كبير على الأهداف والغايات والوجهة، أما الضحية الوحيدة لهذا فهم الكفاءات ولا أحد سواهم. على هذا، فإن أولئك الذين لا يهمهم من العدالة والشفافية سوى كشوف الاسماء لا يفعلون سوى أن يستعيروا حججهم من هذا الواقع الكريه الذي نشكو منه. فهم باصرارهم على "كم من السنة وكم من الشيعة" لا يفعلون سوى أن يقولوا لنا بعبارة أخرى إن "السني" كفوء بالضرورة وإن "الشيعي" كفوء بالضرورة. المذهب هو الذي يقرر الكفاءة، إنهم لا يفعلون سوى تكريس هذا الواقع الكريه الذي نشكو منه
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 911 - الجمعة 04 مارس 2005م الموافق 23 محرم 1426هـ