هل يتكرر سيناريو الحرب على العراق ضد سورية، أم ان هناك فرصة لتجنيب المنطقة مثل هذا الاحتمال؟ لاشك في أن دمشق مستهدفة وهذا ليس سرا. وهناك الكثير من التصريحات المتفرقة التي صدرت تباعا عن مختلف الجهات الأميركية في الكونغرس والبيت الأبيض طرحت فكرة تقويض الوضع السوري القائم حاليا في لبنان. ربما تكون التصريحات غير رسمية وليست نهائية أو ربما أطلقت للتخويف وليست جدية ولكن القيادة الحكيمة يجب ألا تستبعد كل الخيارات والاحتمالات.
المسألة فعلا دقيقة وتحتاج إلى قراءة كل التصريحات وملاحظة كل التحركات ومراقبة كل الجزئيات المتناثرة وإعادة جمعها وربطها في دائرة سياسية لتحديد الصورة العامة للمشهد الدولي الضاغط على دمشق.
سورية مستهدفة ليس هذا الجديد في الأنباء. الجديد كيف ستتعامل دمشق مع التداعيات الدولية التي استثمرت فكرة التمديد للرئيس اللبناني وأخرجت إلى العلن القرار 1559 وصولا إلى استثمار اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
كل الطرقات تؤدي إلى الطاحونة كما يقول المثل الشعبي. والطاحونة لا تستطيع أن تعمل من دون تأمين المواد الأولية التي تبرر اشتغال الآلة العسكرية التي استقرت سياسيا في العراق وبحار المنطقة ومحيطها الجغرافي.
المسألة إذا تتوقف على الطرف المعني مباشرة بهذا الحشد الدولي "والعربي إلى حد ما" الذي يضغط باتجاه نزع الذرائع من الطرف الأميركي - الإسرائيلي الذي يدفع باتجاه القرع على طبول الحرب في وقت يرسل إشارات غامضة للتضليل وكسب الوقت. فالطرف الأميركي - الإسرائيلي يميل أو يتمنى، كما تبدو الحوادث من ظاهرها، ألا تسارع دمشق إلى سحب قواتها من لبنان حتى لا تسقط الذريعة التي يمكن استخدامها لتوجيه ضربة مخطط لها منذ ولاية بوش الأولى.
الطرف الأميركي - الإسرائيلي يتمنى أن يتكرر ذاك السيناريو الذي أعد في مطابخ البنتاغون في العام 1990 واستدرج العراق من خلال إشارات كاذبة للدخول إلى الكويت. آنذاك قيل إن أسوأ خبر يمكن أن يسمعه جورج بوش الأب هو انسحاب القوات العراقية من الكويت حتى لا تسقط الذريعة في توجيه ضربة عسكرية مباشرة إلى العراق وليس إلى قواته في الكويت. وبسبب تلك المخاوف لجأت الإدارة الأميركية إلى توجيه إشارات كاذبة تتعلق بانقسام طاقم بوش وإن قيادته العسكرية تفضل الحل السياسي خوفا من تورط القوات الأميركية في معركة غير مضمونة النتائج. كذلك سربت تلك الإدارة معلومات كاذبة عن أن واشنطن لا تريد الحرب وإذا اضطرت إليها فإنها لا تنوي استهداف العراق حتى لا تضعفه إقليميا في مواجهة إيران. وقالت أيضا أن لا مصلحة أميركية في ضرب العراق نفسه لأن واشنطن بحاجة إليه لحفظ التوازنات الإقليمية.
وبسبب تلك التطمينات الكاذبة استقرت القوات العراقية في الكويت ولم تخرج لأنها صدقت أكثر من فرضية سربت للتضليل. فهي اعتقدت أن الحرب مجرد فزاعة للتخويف ولن تحصل. وإذا حصلت فإن واشنطن ستكتفي بضرب القوات العراقية في الكويت ولن تقدم على ضرب العراق نفسه لأن أميركا بحاجة إليه أكثر من حاجة العراق إلى أميركا.
وأدت تلك الإشارات الكاذبة إلى نشر مجموعة أوهام استدرجت القيادة العراقية للتمسك بخطواتها... وحصل ما حصل وكل العالم يعرف السيناريو.
الآن هناك مخاوف جدية من أن يتكرر السيناريو الكويتي في لبنان إذا لم تسارع قيادة دمشق إلى اتخاذ خطوات جدية لقطع الطريق على هذا المخطط المخيف وهو أن الضربة ليس بالضرورة أن تكون ضد القوات السورية في لبنان بل ربما تحصل مباشرة ضد سورية نفسها بذريعة إجبارها على سحب قواتها من لبنان.
هذه ليست معلومات وإنما محاولة لقراءة ما يحصل وما يجري وعلى القيادة الحكيمة أن تحسب كل الاحتمالات وألا تسقط من تصوراتها المخططات وهي كلها سيئة ولكن هناك فارقا بين سيئ وأسوأ.
سيناريو الحرب غير مقفل وإنما هو من الاحتمالات الواردة بقوة وخصوصا هناك ما يشبه الإجماع بين أميركا ودول الاتحاد الأوروبي وحتى روسيا على تكرار الفكرة نفسها وهي ضرورة الانسحاب السوري من لبنان. فهل تتخذ دمشق قرارها التاريخي أم تقع في مصيدة لبنان على غرار مصيدة الكويت؟ سؤال ينتظر العالم جوابه تجنبا للاحتمال الأسوأ
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 911 - الجمعة 04 مارس 2005م الموافق 23 محرم 1426هـ