العدد 911 - الجمعة 04 مارس 2005م الموافق 23 محرم 1426هـ

أربعون عاما على انتفاضة مارس ...1965كيف تبدو اليوم في عيون هؤلاء؟

أربعون عاما مضت على ذكرى انتفاضة مارس/ آذار الشعبية العام 1965 التي مازالت تحفر لها مكانا في ذاكرة واجساد الكثير من ابناء البحرين. وقعت الشرارة عندما قررت شركة نفط البحرين "بابكو" التي كانت حينها تدار من قبل الانجليز الاستغناء عن 450 موظفا بحرينيا - كدفعة اولى - من اصل 1500 عامل قررت الاستغناء عنهم بحجة استبدالهم بمكينات حديثة قادرة على الانتاجية بشكل أفضل. ويبدو هذا القرار إداريا يمكن الاخذ والرد فيه لولا أن الهم السياسي والاجواء العامة السائدة في البلاد حينها كانت قادرة على اشعال فتيل انتفاضة شعبية شكلت مفصلا اساسيا في تاريخ الحركات السياسية في البحرين وإن كانت تعاني من الضعف وقلة الادوات السياسية في ظل عمل سري ورقابة امنية مشددة.

اشتعلت الانتفاضة وشكلت الحركة العمالية المطلبية عصبا قويا لحركة وطنية هي الاخرى تحمل مطالب وتطلعات شعب بأكمله يتطلع للحرية والاستقلال. في مارس 1965 امتزجت التطلعات السياسية على اختلافها مع لقمة العيش وشكلا معا الشرارة التي اطلقت النار من تحت الرماد.

اليوم ومع مرور أربعين عاما على هذه الانتفاضة المجيدة، تستعيد "الوسط" صفحات من تلك الانتفاضة مع بعض الذين شاء قدرهم أن يكونوا في قلبها. كيف يبدو مارس البحرين 1965 في عيون هؤلاء؟

علي ربيعة أبرز الوجوه التي عرفتها الحركة القومية في البحرين والتي تقاسمت معه الكثير من محطات حياته. كان وقتها ابن الرابعة والعشرين حين اشتعلت الانتفاضة في البحرين وتركزت في مدينته المحرق حين لعب دورا كبيرا لم يشأ الحديث عنه كثيرا. عند اشتعال الانتفاضة لم يكن ربيعة منتظما في أي تنظيم سياسي سواء حركة القوميين العرب أو جبهة التحرير الوطني، لكنه لم يخرج يوما عن الهم الوطني.

هل لك أن تحدثنا عن الاجواء التي سبقت الانتفاضة؟

- بدأت الانتفاضة من خلال اضراب عمال شركة النفط احتجاجا على تسريح 450 موظفا من موظفي شركة نفط البحرين "بابكو" بحجة أن الشركة قامت بعمل "اوتومايزيشن" أي استخدام المكننة المستحدثة الجديدة واستبدالها بعدد من الافراد. واحتجاجا على قرار الشركة اشتعلت الاضربات والاحتجاجات ومن ثم خرجت مظاهرات الطلبة دعما لاضراب العمال. في هذه الظروف وجدت القوى السياسية في البحرين نفسها مضطرة إلى أن تدعم هذا التحرك من قبل العمال. وللأسف الشديد فإن القوى السياسية لم تكن آنذاك هي المبادرة في صنع الحوادث بل كانت تتجاوب مع ما يحدث على الساحة السياسية من حوادث، وهذا إن دل فيدل على ضعف القوى السياسية.

علقت بذهني المظاهرات الصاخبة التي ملأت شوارع المحرق والمنامة وغالبية قرى البحرين والتي فعلا كانت تقودها القوى السياسية ولكن بمشاركة الطلبة ولا ننسى بهذا الخصوص أن الشارع البحريني كان شارعا قوميا متأثرا بالناصرية نتيجة المد القومي الناصري القوي.

الانطباع الثاني هو الاضراب الذي قام به العمال والذي يدل بصراحة على وعي العمال آنذاك وتمسكهم بحقوقهم على رغم عدم وجود نقابة عمالية في بابكو، لكن الوعي النقابي كان موجودا بقوة بين العمال وهذا ما خلق لديهم حالا من الاصرار على اجبار الشركة على قبول المطالب التي تقدموا بها.

أما الانطباع الثالث فهو ما شكل محط انظار لوكالات الانباء في الخارج وهو الاعتصام اليومي في المحرق قرب المسجد الجامع الكبير في اعقاب المظاهرات، إذ تلقى به الخطب السياسية الحماسية ويتم اعلام المعتصمين بآخر المستجدات على الساحة.

المشهد الرابع الذي اتذكره جيدا هو الطائرات المروحية التي كانت تحلق على المتظاهرين وتمطرهم بالغاز المسيل للدموع. هذه الظاهرة فتحت اجواء سياسية في المنامة والمحرق وهي فتح بيوت اهالي المحرق لكل المتظاهرين لتلقي الاسعافات جراء استنشاقهم هذه الغازات فكان بامكان أي متضرر الدخول لأي بيت من بيوت المحرق وتلقي الاسعافات البسيطة من خلال معالجة العيون المتضررة بالبصل والماء البارد.

هذه الظاهرة العفوية حملت دلالات كثيرة على تعاطف الشارع الاهلي في المحرق مع الحركة المطلبية.

كيف بدا تعامل قوات الأمن مع الانتفاضة أو بالاحرى مع المطالب العمالية التي هي الاساس في اشعال الانتفاضة؟

- كانت قوات الشرطة تتعامل بقسوة نادرة جدا وجراء هذه القسوة سقط الكثير من الجرحى وما يقارب 13 قتيلا. اتذكر منهم اثنين من ابناء سترة من عائلة سرحان وشخصين من المحرق - إذ كنت اسكن - هما عبدالله الغانم وعبدالله بونودة. اتذكر أيضا شخصا آخر سقط في المنامة هو فيصل القصاب.

ولا ننسى أيضا ان القوات البريطانية التي كانت تقود الجهاز الأمني شاركت في قمع الانتفاضة الشعبية.

بحسب رؤيتك... كيف كان يبدو تجاوب الشارع البحريني مع هذه الانتفاضة المجيدة؟

- ضمت المظاهرات آلاف الناس لأن الوطنيين والمتعاطفين مع الحركة الاضرابية من المنامة وجميع القرى كانوا يأتون الى المحرق على اعتبار أن مدينة المحرق كانت تشكل مدينة الثوار وهذه التسمية التي كانت متداولة للمحرق وهي "بلد الثورة والمقاومة".

هل تعتقد أن تسريح عمال في شركة للنفط وحده قادر على اشعال شارع بأكمله أم أن الظرف السياسي والهم الاجتماعي شكلا اساسا للتحرك وجعل هذا الاجراء سببا في قيام انتفاضة شعبية بهذا الحجم؟

- بلاشك أن الاضراب العمالي كان عود الثقاب الذي اشعل هذه الانتفاضة وانما القوى الوطنية اغتنمت هذه الفرصة الثمينة وحولت هذه القضية العمالية الى قضية عمالية سياسية وبالتالي تجدين أن البيانات التي صدرت عن الحركة التوافقية أو التحالف الوطني الذي شكل تحت اسم "جبهة القوى التقدمية" آنذاك كانت تضم مطالب عمالية سياسية.

مثلا في اعقاب 15 يوما من بدء الانتفاضة صدر بيان يطالب بلجنة مشتركة للنظر في شئون العمال والسماح بتشكيل النقابات والغاء الفصل التعسفي وارجاع العمال الى عملهم وجميعها مطالب عمالية تبنتها الحركة السياسية آنذاك. أما المطالب السياسية في ذلك البيان فكانت أيضا بتشكيل لجنة مشتركة للتحقيق في اطلاق النار واسباب عمليات قتل المتظاهرين والمطالبة بمحاكمة المسئولين عن عمليات القتل والمطالبة برفع حال الطوارئ والسماح بالتجمع وحرية التعبير وجميعها مطالب سياسية. وبهذا نجد أن الحركة السياسية المطلبية نجحت في دعم القضايا العمالية بقضايا سياسية وهذا الدمج شكل اشارة ذكية من الحركة السياسية آنذاك.

طالبت القوى التقدمية أيضا ببحرنة جهاز الأمن الذي كان يدار من قبل الانجليز أما الافراد فكانوا من جنسيات اجنبية مختلفة فلو قلنا ان افراد الشرطة كان عددهم 840 شرطيا كان هناك 200 شرطي بحريني فقط.

هل ترى انه رغم اختلاف التوجه الايديولوجي بين الحركات السياسية التي كانت تعمل على الساحة السياسية البحرينية الا ان الانتفاضة الشعبية استطاعت ان توحد وتخلق حال من الاتفاق بينها على اعتبار ان المطالب واحدة؟

- للاسف الشديد التحالف لم يدم طويلا بحكم الخلافات الايديولوجية. على رغم انه كان من المفترض ان تنسى هذه الاحزاب اختلافاتها ومصالحها الحزبية الضيقة وتضع برنامج عمل موحد لخدمة قضايا شعب البحرين لكن الانانية الحزبية طغت على عمل هذه الحركات جميعها من دون استثناء. وهذا ما دفع بكل حركة او حزب ان تتصرف كما لو انها الوحيدة الفاعلة على الساحة السياسية وهذا ما ضيع علينا مكاسب كبيرة في الساحة ويبدو ان هذه الحركات لم تتعلم كثيرا والدليل الوضع الحالي الذي نعيشه الآن في البحرين.

بعد مرور 40 عاما على انتفاضة مارس 1965 كيف ترى هذه المحطة السياسية البارزة في تاريخ البحرين؟

- بلاشك ان هذا اليوم شكل ميلادا لأول انتفاضة شعبية يتلاحم بها الشارع السياسي في البحرين وتعبر الوحدة الوطنية عن اعمق مشاعرها ومعانيها من دون ان تكون هناك فرقة مذهبية او طائفية ولا حتى ايديولوجية الا ما جاء بعد تفكك تحالف القوى التقدمية. كان الشارع صادقا مع نفسه وتجاه المطالب التي يؤمن بها والأكثر انه كان يعيش حال من الوعي والتماسك في الوحدة الوطنية وتكاتف حول المطالب المطروحة آنذاك.

من هم الرفاق الذين مازالوا عالقون بذاكرة ربيعة من انتفاضة 1965 على رغم مرور أربعين عاما عليها؟

- بلاشك ان محمد جابر الصباح كان له دور رائد وإبراهيم كمال الدين ومحمد السيد من جبهة التحرير وأحمد الشملان وعناصر كثيرة عملت بإخلاص تجاه الوطن.

ما بين 1965 إذ كانت الحركات السياسية تعمل في السر وبين العام 2005 إذ الجمعيات السياسة التي تمثل اطياف سياسية وتعمل في العلن وبمساحة كبيرة من الحرية كيف يرى الاختلاف ربيعة؟

- الاختلاف يكمن بأن معظم الجمعيات السياسية الموجودة حاليا باستثناء جمعية العمل والمنبر التقدمي الديمقراطي وجمعية الوفاق وجمعية التجمع القومي فاني ارى بالجمعيات الأخرى جديدة على الساحة السياسية معظمها لم تكن لها علاقة بالعمل السياسي وانما ظروف الانفتاح السياسي هي التي دفعتها للخروج للساحة. ووجود مثل هذه الجمعيات اعتقد ان غالبيتها جمعيات دخيلة على العمل السياسي.

الحركة العمالية... عصب للحركة السياسية

لا يمكن التحدث عن الحركة العمالية والمطالب العمالية عبر المحطات السياسية المختلفة في تاريخ البحرين من دون ذكر اسم عبدالله المطيويع الذي شكل لاعبا اساسيا في الصفوف الأمامية في انتفاضة مارس 1965 على رغم انه لم يكن قد بلغ بعد سن الثامنة عشرة. لكن الهم العمالي والسياسي معا وجدا طريقهما الى قلب المطيويع وربما لان ساحة الحوادث الرئيسية كانت في مدينته المحرق. المطيويع عندها كان في صفوف حركة القوميين العرب الذين لعبوا الدور الرئيسي في انتفاضة مارس .1965

كيف تشكلت الشرارة التي اشعلت انتفاضة مارس 1965؟

- اعتقد ان الانجليز ارتكبوا خطأ كبيرا ولم يجيدوا قراءة الشارع البحريني بشكل صحيح من خلال قرار الاستغناء عن عدد كبير من العمال في "بابكو". وعلى رغم وجود حركات سياسية بارزة على الساحة السياسية آنذاك فإنني لا أستطيع ان اجزم انها كانت وراء تحفيز الناس على المشاركة في هذه الانتفاضة بما فيها حركة القوميين العرب. لكن باعتقادي ان هناك شخصا لم ينصف بعد في الدور الريادي الذي لعبة خلال انتفاضة مارس 1965 وهو الشيخ احمد ابراهيم المطوع الازهري - رحمه الله - الذي كان يخطب في مسجدين احدهما في الحورة والآخر في المحرق. اتذكر في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك وتحديدا بعد صلاة التراويح إذ كان يؤم المصلين بمسجد "مجرن" في المحرق ويقوم بتحفيز الناس للمطالبة في حقوقهم مستخدما آيات من الذكر الحكيم واحاديث نبوية تحث على العدل والمطالبة بالحقوق.

ويضيف: "في 6 مارس ذهب خمسة شبان هم احمد عبدالملك ويوسف عبدالله واحمد الجودر وعبدالله الخباز وصقر البنعلي الى مدرسة الهداية الخليفية وارادوا اخراج الطلبة من المدرسة ولكن الادارة قامت بالاتصال بالشرطة ما اضطرهم للهروب من المدرسة والذهاب لطلاء جدران الشوارع في المحرق بشعارات ترفض قرار شركة النفط، لكن في يوم الخميس 9 مارس ونتيجة لتحرك الشارع والتعاطف مع المطالب العمالية اشتعلت الاشتباكات في ساحة مدرسة المنامة الثانوية للبنين إذ دخلت الخيالة الى ساحة المدرسة لقمعنا على رغم محاولات مدير المدرسة الاستاذ عبدالملك الحمر لمنعهم لكنهم دخلوا بامر من الضباط الانجليز وانهالوا على الطلبة بالضرب مستخدمين الهروات وقاموا باخذ احد الطلبة ويدعى نصر معيوف بعدما تعرض لضرب مبرح على ايدي الخيالة واخذوه معهم. وقمنا بعدها باغلاق باب المدرسة بعدما خرجوا من ساحة المدرسة لكنهم استمروا بالقاء مسيلات الدموع من خارج جدار المدرسة.

كيف بدأت التظاهرات بالانتشار في مختلف مدن وقرى البحرين؟

- في 10 مارس وتحديدا بعد صلاة الجمعة في مسجد الشيخ حمد الواقع في المحرق قرب بيت شويطر، قام شخص يدعى يوسف عبدالملك من المحرق بالقاء خطاب قصير ومؤثر ما جعل المظاهرة تسير في المحرق بصورة غير مسبوقة إذ انضم اليها الكثير من الناس. والحقيقة ان انتشار خبر هذه المظاهرة الشعبية الكبيرة كان قادرا على حث البحرينيين في مختلف انحاء البحرين في القرى والبلدات المختلفة للخروج الى الشارع والتظاهر لأن الظلم الذي وقع بتسريح هؤلاء العمال لم يقتصر على بلده او قرية معينة. وفي يوم السبت قام الطلبة في المدرسة الثانوية بالتظاهر وعلى رغم محاولات رجال الأمن المختلفة لوقف هذه المظاهرة فإنها تواصلت وانطلقت الجموع نحو مدرسة الزهراء الثانوية للبنات في فريج "العصفور" وتابعت سيرها الى المحرق. ما دعا جهاز الأمن الى استخدام المروحيات البريطانية التي كتب عليها باللغة العربية "شرطة البحرين" لاطلاق مسيلات الدموع على المتظاهرين. ولم يقتصر الامر على المسيلات بل تعداه باطلاق الرصاص على الناس عند عبورهم جسر المحرق.

ما هي المشاهدات المؤثرة التي تركت آثارا كبيرة في ذهن المطيويع من انتفاضة 1965؟

- بلاشك ان استشهاد الشهيد عبدالله نجم الملقب "بونوده" من المشاهدات المؤثرة في ذاكرتي. إذ تم اطلاق النار عليه في فريج "بن هندي" داخل المحرق. كان شابا لم يتجاوز بعد السابعة عشرة من العمر وخرج كبقية الناس احتجاجا على قرارات الانجليز في شركة النفط. ايضا سقط في الانتفاضة الشهيد عبدالله سعيد الغانم إذ استشهد قرب جامع الشيخ حمد، وما اتذكره جيدا ان هذا الشهيد قتل بطريقة دموية إذ تم اطلاق النار عليه وبعدما نزف لحقوا به واستدلوا عليه بواسطة قطرات الدم التي نزفت منه وتم القبض عليه في منزل الفنان ماجد عون حاولوا ان يخفوه لكن الشرطة القت القبض عليه وتم اعتقاله واستدعوا اهل المنزل للتحقيق معهم لمجرد انهم حاولوا مساعدته. كذلك استشهد شابان من قرية النويدرات إذ كان هؤلاء الشباب يسيرون قرب الدوار القريب من شركة النفط فتوهم رجال الأمن انهم ذاهبون الى شركة النفط واطلقوا الرصاص عليهم وقتلوهم على الفور. من المنامة استشهد فيصل القصاب وايضا شاب اخر من قرية الديه يدعى جاسم خليل. اعتقد ان مختلف قرى ومدن البحرين دفعت اثمانا باهظة من دماء ابنائها في انتفاضة مارس .1965 وفيما لو قدر لإجراء محاكمة لما حدث في هذه الانتفاضة الشعبية والطريقة التي تم التعامل بها مع التظاهر سيأتين الكثير من اهالي البحرين ليشهدوا على ما حدث من خلال الرصاصات التي مازال بعضه يحتفظ بها داخل جسده ولم يتم انتزاعها.

في انتفاضة مارس 1965 رفعت الكثير من الشعارات التي كانت غالبيتها تحمل عبارات قومية هل تتذكر شيئا منها؟

- اتذكر منها "يا عمال الحركة... الشركة مرتبكة... والبحرين في معركة" وأيضا "صاح صايح في الرفاع... يا خلق وش ذا النزاع... جاوبه في الحد شايب... يا خلق شفت العجايب... اهل المحرق هالحبايب يصرخون مثل السباع... يا منامي ويا قلالي... في الزحام بالك تبالي... وان ذكرت اسمك لاهلي يفخرو بك بالجماع" أيضا "الله الله يا مفرج المصايب... اضرب رصاص خلي رصاصك صايب... وان جاءك الموت افتح لك صدرك... وخليه يكون من جملة المصايب" وايضا ارجوزة أخرى قيلت على اثر تشكيل اللجنة للفصل والتحقيق في الحوادث هي "اللجنة اقطاعيه... ما نريدها ميه في الميه... نريد لجنة عمالية واحنا اللي نختار".

محمد السيد كان احد القياديين البارزين في صفوف جبهة التحرير الوطني ومن الذين لعبوا دورا رئيسيا في التعامل مع مجريات الحوادث في الانتفاضة التي يعتبرها شكلت منعطفا اساسيا في حياته ودفعته الى مغادرة وطنة ليواجه محطات اخرى لا تقل جرأة وقسوة عن انتفاضة مارس .1965

عند اندلاع الانتفاضة كان السيد لايزال يمارس مهنته مدرسا للغة الانجليزية في المدرسة الصغرى في المحرق.

يقول السيد: "اتذكر أن الذي حدث في 5 مارس ان مجموعة من الطلاب الذين تدربوا في شركة النفط احتجوا على إجراءات الشركة بتقليص عدد العمال. وعلى رغم محاولة العمال للوصول الى تسوية مع إدارة الشركة فإنها لم تستجب ما اثار حفيظة العمال الذين يعانون أصلا من اوضاع متردية. هؤلاء الطلاب جاءوا الى مدرسة الثانوية في المنامة ولاقوا تجاوبا من طلاب المدرسة الذين بدأوا يهتفون من داخل المدرسة وحدثت مصادمات بينهم وبين الخيالة الا انها انتهت ولو شكليا لكنها اسست لحوادث أكبر شهدتها البحرين بعد أيام قليلة من ذلك التاريخ. إذ في يوم 11 مارس والذي صادف يوم الاربعاء واثناء تجمع الناس في سوق الاربعاء صدرت تعليمات لنا - كعناصر في جبهة التحرير- بالحضور في السوق ولكن بعدم المشاركة على رأس التظاهرات تجنبا للاعتقالات وفعلا رفعت شعارات من قبل الحاضرين وهي "يسقط الاستعمار" و"لا للفصل" وبعدها سارت مظاهرات قرب شارع الشيخ عبدالله وانضم اليها اناس كثيرون وتابعت سيرها حتى المستشفى الاميركي في القضيبية ومن المشاهدات التي اتذكرها جيدا ان السوق اغلق بصورة كاملة وأعلنت حال من الاضراب الكامل والتي استمرت في بعض اشكالها الى أواخر شهر أبريل/ نيسان العام نفسه. وحتى بعد ان انتهت المظاهرات في المنامة استمر الناس بالتظاهر في مدينتي المحرق وسترة إذ كان الكثير من الوطنين يأتون الى المحرق ويقومون بالقاء الخطب في الناس وعلى رأسهم ابراهيم كمال الدين وانا بدوري توليت الى جانب الشهيد محمد بونفور واحمد الشملان وعبدالله مطيويع تنظيم المظاهرات ومنع الشعارات التي تخرج عن سياق المطالب الحقيقية للمظاهرات

كيف توالت الحوادث بعد مظاهرة سوق الاربعاء؟

- شهد يوم الجمعة حوادث كثيرة بعدما انطلق المتظاهرون بأعداد كبيرة بعد اداء صلاة الجمعة وتحديدا من مدينة المحرق وقد تزامنت مع مظاهرات أخرى في المنامة وجميع قرى البحرين وفي هذه الاثناء طلب مني ان اكون في الصفوف الامامية باعتبار انني أصبحت من الافراد المكشوفين لجهاز الأمن وفي يوم السبت طلب منا التصدي لحافلات شركة بابكو التي كانت عادة تقل العمال من محطات قرب مركز امن المحرق. وفعلا قمنا بمنع العمال من ركوب الحافلات للذهاب الى العمل في الشركة. كنا نتولى هذا المهمات في الساعة السادسة صباحا الى ان توقفت الحافلات عن القدوم الى هذه المحطات.

هذا الائتلاف من قبل افراد ينتمون الى فصائل سياسية مختلفة والتنسيق ما بينهم والذي لعبت به انت شخصيا دورا رئيسيا، ألم يكن قادرا على الخروج من دائرة الحزب او الفصيل الضيق وتوحيد الجهود بحركة وطنية واحدة قوية قادرة على تحقيق المطالب بدلا من تبعثر الجهود؟

- بلاشك ان التلاحم الوطني جاء نتيجة تغليب الهم الوطني على كل شيء وخصوصا في ظروف الانتفاضة إذ تجسدت صور التعاون فيما بينها من دون الالتفات الى أي فصيل ينتمي إلى هذا او ذاك. وعلى وجه المثال توليت - بحكم معرفتي استخدام الاسلحة الخفيفة والقنابل الصغيرة - تدريب الكثير من الافراد الذين ينتمون الى القوميين العرب وكذلك البعثيين الذين لعبوا دورا لا يستهان به في انتفاضة مارس 1965 إذ اوكل لي محمد الماجد تدريب مجموعة اتذكر منهم ادهم وعبدالوهاب كمال وأيضا انتقلت الى بيت يوسف السيد - الذي ينتمي بدوره الى القوميين العرب - لتدريب بعض الافراد هناك. الحقيقة ان التبادل فيما بيننا يدل بشكل أو بآخر على ان جميع القوى السياسية في البحرين من دون استثناء لعبت ادوارا رئيسية في الانتفاضة بدافع وطني ولم يتم تغليب الانتماء الحزبي على الانتماء الوطني بالدرجة الأولى لأن المطالب والهموم كانت واحدة. وللأمانة استطيع القول إن اندلاع انتفاضة مارس جاء بجهود القوميين العرب بالدرجة الأولى كما لعب البعثيون فيها دورا كبيرا وبارزا. في حين لعبت جبهة التحرير دورا جانبيا نتيجية للتعليمات التي صدرت من قبل قيادة الجبهة بعدم المشاركة بصورة مباشرة تجنبا للاعتقالات. حتى الاخوان المسلمين أيضا شاركوا في بعض الجوانب من الانتفاضة واتذكر على وجه المثال انه في احد ايام مارس 1965 التقيت مجموعة من الاخوان المسلمين وعلى رأسهم عبدالرحمن رزبه واحمد ولد يدي وثامر ثاني من الحد وأبدوا وقوفهم الى جانبنا على رغم كل مخاوفهم التي كانت تحيط بمصير الانتفاضة لكنهم ابدوا رغبتهم بمساعدتنا وقدموا لنا فعلا معلومات عن مدرسين قادرين على مد يد العون لنا.

ما هي العمليات التي كنتم تتولون القيام بها في الليل بعد ان تنتهي التظاهرات نهارا؟

- بعد ان يتم اغلاق شوارع المحرق نقوم بوضع براميل ونزرع داخلها قنابل يطلق عليها اسم "رمانات" وبعد الانتهاء من هذه العمليات كنا نذهب الى حجرة كبيرة تسمى "البرستج" في شمال المحرق إذ كانت تنام هناك اعداد كبيرة من الناس وعند الصباح الجميع يغادر هذه الحجرة بحيث الا يتعرفوا على بعضهم.

كيف كانت الأوضاع في الأيام الأخيرة للانتفاضة؟

- لقد صدرت تعليمات بألا نذهب الى بيوتنا اطلاقا لأن الشرطة بدأت بمداهمة البيوت وفعلا تعرض منزلي الى المداهمة من قبل أفراد الشرطة. الحقيقة ان الشرطة في ايام الانتفاضة الأخيرة زادت من حدة قمعها للمتظاهرين حيث دأبت على إطلاق النار على الناس وأتذكر إنني شاهدت بعيني عملية إطلاق النار على الشهيد عبدالله نجم الملقب "بونوده" إذ قاموا بإطلاق النار عليه ولم يتوف ولكنهم قاموا بسحبه من فريج "بن هندي" الى الشارع العام قرب البحر حيث اجهزوا عليه.

كيف بدت الأوضاع بعد انتهاء شهر مارس الذي شهد كل هذه الحوادث؟

- الحقيقة أن مع بداية شهر ابريل بدأت هناك حال من التراخي نتيجة حملات الاعتقالات والقتل وأساليب القمع التي استخدمت ضد الانتفاضة. وقد بدأت الشرطة بتسيير دوريات في المحرق ليلا لقطع أية فرصة لإجراء أية عمليات من قبلنا وعلى إثرها تم منعي من الخروج بصورة قطعية إذ تم إخفائي في منزل احد أبناء عبدالله نجم. وبعد أن تعرض الكثيرون للاعتقال تم الاتفاق على تهريبي إلى خارج البحرين بحسب خطة من قبل القوميين العرب بواسطة شخص يدعى محمد عجلان الذي رتب لعملية هروبي من البحرين في 24 ابريل .196

العدد 911 - الجمعة 04 مارس 2005م الموافق 23 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً