أثار التوقيف الأخير لمشرفي موقع بحرين أون لاين الإلكتروني، الكثير من الأسئلة عن قانونية توقيف النيابة العامة لهم، وعما إذا كان التوقيف يتلاءم مع الشروط التي حددتها المعايير والمواثيق الدولية المختصة بالمحاكمة العادلة.
فتح التوقيف أيضا ملفا جديدا، لم يقفل قط، وهو ملف القوانين المقيدة للحريات، كقانون العقوبات الصادر العام 1976 وأهم تعديلاته في العام ،1982 ذي المواد المصادرة لحرية الرأي والتعبير بشكل مباشر! كما أن كثيرا من المحامين والحقوقيين يطلقون عليه "قانون أمن دولة مطور".
أوقفت النيابة العامة الشهر الماضي طالبا على إثر وضع عبارة على سيارته تتحدث عن دستور ،2002 وأوقفت معتقلي العريضة الدستورية، وأوقفت رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان عبدالهادي الخواجة والمتضامنين معه، وقبل أيام فقط أفرجت بعد أن أوقفت أصحاب الشركات والسفر على إثر اعتصامهم أمام وزارة الشئون الإسلامية لخرقها الاتفاق الرباعي، الناص على عدم السماح لحافلات خليجية بالدخول للبلد في حال وجود حافلات بحرينية شاغرة.
النيابة العامة بررت توقيفها لكل أولئك، استنادا إلى قانون الإجراءات الجنائية الذي يمنحها "سلطة تقديرية" في التوقيف من عدمه، وكثيرا ما تحتج به على "الصحافة".
التهم التي وجهتها النيابة العامة في هكذا قضايا تستند بالدرجة الأساس إلى المادة "165" من قانون العقوبات التي تذكر "ارتكاب جرائم التحريض علانية على كراهية نظام الحكم، وإذاعة بيانات كاذبة، وبث دعايات مثيرة". وهذه المادة تتناقض مع دستور البلاد الذي يكفل حرية التعبير، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية.
ترى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة "أن الاحتجاز السابق على المحاكمة يجب أن يكون استثناء ولأقل فترة ممكنة"، ويمكن تحديد النطاق الذي يجوز الخروج على القاعدة وهو "لمنع المتهم من الهرب، أو تجنب المتهم التأثير على الشهود أو العبث بأدلة الجريمة، أو منعه من محاولة ارتكاب جريمة أخرى أو أنه يشكل تهديدا واضحا وخطيرا على المتهم ولا يمكن احتواؤه بأي أسلوب آخر أقل".
وجاء في مبادئ المحكمة الأوروبية:
لكل فرد الحق في الحرية وفي الأمان على شخصه. ولا يجوز تجريد الفرد من حريته إلا في الحالات الآتية وطبقا للإجراءات المقررة في القانون:
أ- احتجاز فرد بعد إدانته أمام محكمة مختصة.
ب- القبض على فرد أو احتجازه بسبب عدم امتثاله لحكم صادر عن محكمة أو لضمان امتثاله لأي التزام ينص عليه القانون.
ج- ضبط أو احتجاز فرد بغرض عرضه على السلطة القضائية المختصة أو لوجود أسباب معقولة تدعو إلى الاشتباه في ارتكابه جريمة ما أو في فراره بعد ارتكاب جريمة.
ورأت المحكمة الأوروبية أن هذه "الأسباب المعقولة" التي تبرر القبض على الفرد تتوافر في حال وجود "حقائق أو معلومات كفيلة بإقناع مراقب موضوعي بأن الشخص المعني ربما ارتكب جريمة".
توقيف النيابة العامة لمشرفي بحرين أون لاين يتناقض مع المواثيق الدولية وينتهك أبسط حقوق الإنسان. وتطبيق القوانين القديمة المقيدة للحريات يبرهن على رغبة حقيقية للرجوع الى الوراء والتضييق على حرية التعبير. ثم إن المتهم مادام في مرحلة التحقيق يكون بريئا حتى تثبت إدانته، لا مدانا حتى تثبت براءته!
الوسط - المحرر الحقوقي
قال المحامي محمد المطوع ان قانون الإجراءات الجنائية وسع للنيابة العامة المساس بحرية المتهم من خلال توقيفه 45 يوما مع التجديد حتى 6 أشهر غير قابلة للطعن عليها إجرائيا، ما يؤثر على حرية المتهم ويعرض سمعته للسوء ويفقده عمله أو يتسبب في هدم أسرته.
وذكر المطوع في انتقاده لعمل النيابة والشرطة أن إسناد جمع الأدلة لشرطة الضبط القضائي من شأنه أن يؤدي إلى انتهاكات لحقوق الانسان وخصوصا أن الأخيرة قد تنزلق في الاجراءات التي تتخذها كونها غير مؤهلة في كثير من الأحيان للتعاطي مع القضية.
وأوضح في جانب آخر، أن إصدار أمر الحبس الاحتياطي إجراء استخدمته النيابة في الفترة الأخيرة بتوسع على رغم تأكيد بعض التشريعات العربية والأجنبية بالإضافة إلى الفقه ضرورة الحد منه وجعله في أضيق الحدود لمساسه بحرية الإنسان، وخصوصا أن هذا الدور السابق للمحاكمة وصدور الحكم مهم جدا وحين يساء استخدامه يؤدي بالمتهم إلى السجن أو إنهاء حياته أحيانا.
وفيما يتعلق بدور شرطة الداخلية التي تقوم بإيداع المحكوم عليه في السجن، قال: "هي الأخرى ينتابها قصور شديد في أداء مهماتها الأمنية والإصلاحية... هذا القصور ناتج عن عدم كفاءة الشرطة لكونهم في أحيان كثيرة غير متعلمين أو لا يجيدون اللغة العربية لأنهم منحدرون من دول غير عربية ما يؤدي إلى وجود حاجز نفسي كبير بين المحبوس والقائم المباشر على حبسه في المؤسسة العقابية".
وواصل: "المشروع الإصلاحي أدخل المملكة حقبة جديدة تستدعي تعديل القوانين والتشريعات كي تصبح متوائمة مع مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1948 واتفاق حقوق الطفل واتفاق منع التعذيب وغيرها.
المطوع شدد أيضا على ضرورة تحديث الأجهزة بإعداد كوادر بحرينية مختصة للتعامل مع الحالات تفاديا لحدوث انتهاكات تمس الأفراد والمجتمع.
وأضاف "المملكة في حاجه إلى كادر أمني بحريني لمواجهة الجرائم التي تقع، فجهاز الأمن يستهلك جزءا كبيرا من موازنة الدولة وعلى رغم انتشار المراكز الأمنية في المملكة وحجم هذا الجهاز انتشرت الجريمة بشكل كبير مع التوسع في عملية التجنيس، وبرزت خلال العامين الماضيين قضايا المخدرات بين الشباب بشكل ملحوظ، كما زادت جرائم الجنس في البلاد عموما، ما دفع إلى مواكبة الزيادة في الجريمة وتم لذلك إنشاء خمس دوائر قضائية جنائية صغرى بعد أن كانت ثلاث دوائر، كما استحدثت دائرة كبرى جنائية بجانب الدائرة السابقة.
ودعا المطوع إلى إيجاد تعاون بين جهاز الأمن ومجلس النواب لما يملكه الأخير من تشريع ورقابة عليه. وقال: "ان غياب دور السلطة التشريعية وإحالة هذه الوظيفة إلى السلطة التنفيذية يؤدي الى خطر الانزلاق باستخدام جهاز الشرطة كأداة قمع بدلا من توظيفها لخدمة المجتمع وبالتالي تتأثر الحريات ويضيق هامش الحقوق".
ورأى المطوع "ضرورة إيجاد شراكة بين أجهزة الدولة والداخلية والمجتمع لانتزاع بذور الجريمة كأن تقوم وزارة العمل بتشغيل العاطلين وترفع الحكومة دخل الفرد وتوسع دائرة الحريات وأن يباشر النواب تعديل التشريعات لتتلاءم مع أحكام الاتفاقات التي وقعتها المملكة إضافة إلى تطوير الجهاز القضائي"، وقال المتحدث: "ان تطبيق هذه الآلية سيؤدي إلى انخفاض معدل الجريمة وتوسيع حركة الأفراد والجماعات في المجتمع"
العدد 911 - الجمعة 04 مارس 2005م الموافق 23 محرم 1426هـ