العدد 910 - الخميس 03 مارس 2005م الموافق 22 محرم 1426هـ

فضل الله يحذر من وجود مخطط يستهدف المقاومة وامتدادها الإقليمي

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

حذر السيدمحمدحسين فضل الله، من أن أميركا تعمل على استغلال كل الوقائع والحوادث والأخطار التي ارتكبت وترتكب للانقضاض على مواقع الممانعة المتبقية في الساحة العربية والإسلامية. وأشار إلى وجود من ينفخ في نيران الفتنة ومن يستغرق في المسألة المذهبية بعيدا عن تلمس مواقع الخطر، مؤكدا على المعنيين في الساحة اللبنانية تحديدا أن يتنبهوا إلى ذلك، مؤكدا أن المرحلة تستدعي دقة غير عادية في الخطاب وفي أسلوب العمل السياسي، محذرا في الوقت عينه من وجود مخطط يستهدف المقاومة في حركتها وفي امتدادها الإقليمي.

جاء ذلك ردا على سؤال في ندوته الأسبوعية عن مسئولية صناعة القوة في الواقع العربي والإسلامي، وخصوصا في هذه المرحلة، فأجاب:

"أفسح الإسلام في المجال أمام العاملين في خطه أن يتلمسوا كل سبل الخير والصلاح التي تساعد على تماسك المجتمع الإسلامي من الداخل، وتزيده قوة في مواجهة الذين يسعون للاعتداء عليه. العنصر الأول من عناصر القوة في المجتمع يتمثل في التماسك الداخلي الذي حرص على أن يحميه ويحفظه في مواجهة كل محاولات التفريق والتمزيق والتشتيت، والحرص على شحذ كل الطاقات الفكرية والسياسية والاقتصادية التي تمثل عامل جمع ودعم لهذا التماسك".

ولما كانت القوة غير الغاشمة وغير الظالمة تمثل عنصر حماية ومنعة يحسب المعتدون حسابها ويرهبون من نتائج استخدامها، فقد شجع الإسلام على تشكيل هذه القوة التي لا تمثل العدوان، ولكنها تصنع حالا من التوازن يجعل الآخر المعتدي يمتنع عن العدوان ويحسب حسابا للنتائج التي قد تترتب على عدوانه على ساحة المسلمين والمستضعفين، ومن هنا يبرز العامل النفسي بأهميته الردعية والاستباقية من حيث كونه عامل تلويح وتهديد بالاستخدام، لا من حيث تبرير أو تشريع الاعتداء، فاستخدام القوة في الإسلام ينطلق على أساس دفاعي ووقائي لا هجومي، وبعيدا عن العدوان، "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" "المائدة: 87". صحيح أن الإسلام شجع سلوك السبل التي تجعل من الواقع الإسلامي واقعا قويا انطلاقا من الفرد ووصولا إلى الجماعة، ولكنه رفض القوة التي تؤدي إلى انتفاخ الشخصية أو الغطرسة والاستكبار أو الشعور بالاستعلاء، وجعل العدل هو الضابط والناظم لحركة القوة وفق القاعدة التي تؤكد حماية الضعفاء، وفق الحديث الشريف: "إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا ولا معينا إلا الله"، و"ظلم الضعيف أفحش الظلم".

وكما جعل الإسلام العدل ناظما لحركة القوة أراد لها أن تخضع للمنظومة الأخلاقية التي ركزها لحماية الإنسان، وجعل الوازع الأخلاقي عنصرا مساعدا في توجيه القوة وعدم الإفراط في استخدامها، وذلك فضلا عن الوازع القانوني الذي يمثل سلطة القانون في الواقع لتخضع القوة لهذين الوازعين وليتم توجيهها إذ يريد الله تعالى في حماية المظلومين وتركيز العدل في الأرض والتصدي للعدوان. وانطلاقا من ذلك كانت دعوة الإسلام للمستضعفين للتصدي للقوى الظالمة وعدم الاستسلام أو الخضوع لها، بل الإعداد لمواجهتها: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..." "الأنفال: 60"، والتعامل مع هذا الجبروت بذكاء ومرونة وواقعية، وصولا إلى تغيير الواقع بأدوات الواقع، وعلى أساس أن في القوي نقاط ضعف، كما أن في الضعيف نقاط قوة، وبالتالي فعلى الضعفاء أو المستضعفين أن يعملوا لضرب القوي في نقاط ضعفه بدلا من استدعاء نقاط ضعفهم للضغط على مواقع القوة في القوي.

ونحن عندما نتطلع إلى المشهد الإسلامي العام في هذه المرحلة وإلى الواقع العربي كله نجد أن أسباب ضعفنا تكمن في هذا التنازع الداخلي الذي أفضى إلى فشلنا السياسي والاقتصادي وإلى ذهاب ريحنا لحساب الريح الاستكبارية العاصفة القادمة على المنطقة من كل حدب وصوب، كما تكمن في تجذر مسألة القطرية والإقليمية على حساب الاجتماع العربي والإسلامي العام، وإلى سريان مفعول اللعبة السياسية في جسد الأمة إلى المستوى الذي شغلت فيه في التفاصيل على حساب قضاياها الكبرى.

ولاشك في أن هذا الواقع كان من عوامل الإغراء التي ساهمت في جعل واضعي الخطط من المستكبرين يسعون للهرولة إلى المنطقة إذ لم تكتف الإدارة الأميركية بكل ما استفادت منه من خيرات المنطقة العربية والإسلامية لحساب "إسرائيل" ولحساب مصالحها، ولم ترعو بعدما جعلت هذه الخيرات النفطية وهذه الثروات في المنطقة كبقرة حلوب لاقتصادها، بل عملت للسيطرة المباشرة، وهي تعمل في هذه الأيام لتوسيع نطاق هذه السيطرة إلى ما يجاور العراق وتخطط لذلك من خلال إرساء قواعد عسكرية كبرى في العراق ومن ثم الامتداد بحركة "سلحفاتية" و"أرنبية" أخرى نحو إيران وسورية وباتجاه كل مواقع الرفض في المنطقة.

إننا نحذر من أن التضخيم الإعلامي والسياسي الذي تتحرك به أميركا و"إسرائيل" وبعض الدوائر الإعلامية والسياسية الأوروبية في ما هي المسألة النووية الإيرانية، إنما يستهدف انتزاع عناصر القوة التكنولوجية الإسلامية الإيرانية بما فيها العناصر المؤهلة لبناء القوة العلمية، لتبدأ بعد ذلك المرحلة الثانية من مراحل المشروع الأميركي في المنطقة بالاستهداف العملي المباشر للمواقع التي تجاور العراق.

إن أميركا تعمل وفي هذه المرحلة بالذات على استغلال كل الوقائع والحوادث وكل الأخطاء التي ارتكبت وترتكب للانقضاض على مواقع الممانعة المتبقية في الساحة العربية والإسلامية، وعلى الجميع الالتفات إلى ذلك وخصوصا أولئك الذين يستغرقون في المسألة المذهبية أو ينفخون في نيران الفتنة بعيدا عن تلمسهم لنقاط الخطر الكبرى، وعلى المعنيين في الساحة اللبنانية على وجه التحديد أن يتنبهوا إلى ذلك ليرصدوا نتائج حركتهم في ما هي خطوات المشروع الأميركي في المنطقة لا في ساحة مطالبهم الداخلية فحسب، وهذا ما يستدعي دقة غير عادية في الخطاب وفي أسلوب العمل السياسي يتناسب مع خطورة المرحلة، وهذا كلام لا يوجه إلى فريق بعينه، بل إلى الذين يتحركون في خط الموالاة والمعارضة على السواء.

إننا نحذر من وجود مخطط يستهدف المقاومة في حركتها وفي امتدادها الإقليمي، ويسعى لإضعاف حركة الممانعة في المنطقة كلها ولا يستهدف بلدا بعينه أو طائفة لوحدها، بل إضعاف كل مقومات الصمود والمواجهة وهذا يتطلب استنفارا سياسيا واقتصاديا وربما أمنيا بشكل متواصل، كما يتطلب سعيا حثيثا لانتزاع عناصر الفتنة الداخلية بالعمل الدؤوب لكشف كل الجناة الذين أجرموا في حق الوطن والأمة وصنعوا أكثر من جريمة في ساحتيهما. وإذا كانوا يعملون على صوغ المنطقة بمشروعاتهم التفكيكية، ويتطلعون إلى إعادة تركيب الدول والطوائف والمجموعات الدينية والسياسية على أساس حساباتهم، فإن علينا في المقابل أن نعمل لصوغ واقعنا بمشروعاتنا التوحيدية، وأن نعيد ترتيب أوضاعنا بما يمنعهم من الامتداد في خططهم الجهنمية ومشروعاتهم العدوانية

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 910 - الخميس 03 مارس 2005م الموافق 22 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً