ومشت المرأة البحرينية سنين على حقول من الألغام تبحث عن طوق نجاة، تتقاذفها المحاكم التي أصبح بعضها في فترة من الفترات بلا ضمير مهني وبلا ذمة شرعية، وكانت بعض الأحكام تعزف على مزاجية هذا القاضي أو ذاك، هذا إذا ما أسعفته ذاكرته المثقوبة. وبقيت المرأة البحرينية تعزي نفسها بقراءة نهج البلاغة في وصف علي بن أبي طالب "ع" للقاضي الذي يوزع الأحكام دون علم "حتى إذا ارتوى من آجن واكتنز من غير طائل جلس بين الناس قاضيا لتخليص ما التبس على غيره، فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشوا رثا من رأيه، ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ، فإن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب، جاهل خباط جهالات، يذرو الروايات كما تذرو الريح الهشيم، وان أظلم أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه، تصرخ من جور قضائه الدماء، وتعج منه المواريث، ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه، وإلاههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد". "نهج البلاغة: ص 40".
وبقيت المرأة البحرينية تعاني الأمرين، تتقاذفها المحاكم وملفها ينقل من قاض إلى قاض، معلقة وقد يمضي الحكم سنين، فإن طلقت ألقيت في الشارع تستكفف الناس، فلا قانون يحميها ولا مأوى يأويها ثم في ليل قاتم يأتي بعض الذئاب البشرية هنا أو هناك لبعض المطلقات أو الأرامل وفي استغلال واضح للضعف البشري والإنساني وقصور اليد عن المادة لاستغلال بعضهن للمتاجرة الأخلاقية في أسواق بيع الجنس الناعم في شقة هنا أو موقع هناك.
وكم من امرأة طلقت ظلما، وكم من امرأة فقدت حق حضانة أبنائها بسبب غياب عدالة القاضي أو مزاجيته. وكم من امرأة تعيش على الكفاف، تتصدق الجيران والاخوان لأن زوجها استغل وجود الرقيب والمتابع ونوم القانون فلم يعد يلتزم بالنفقة على أبنائها. نساء طلقن في بيوت وبمزاجية حادة ونساء مازلن يدفعن أموال الخلع المبالغ فيها، فمن يعلمهن حقوقهن؟ بل أين هي المؤسسات المدافعة عن حقوق المرأة إلا من مؤسسة هنا أو لجنة هناك، مازلن يتعرضن للمضايقات خوف نشر المستور، وانظروا إلى القضايا:
- امرأة بحرينية ضربها زوجها ثم ألقاها في الشارع بعد عمر طال سنين.
- امرأة تشكو من الفقر هي وأبناؤها، وزوجها يتلاعب على القانون ويتحايل ويهرب من النفقة عليها وعلى أبنائها.
- زوج غضب من زوجته في نقاش فأطفأ السيجارة في رقبتها.
- زوج يسرق راتب زوجته وإذا رفضت ضربها وهددها بالطلاق.
- زوج يتملص من النفقة بأوراق تدل على أنه لا يملك وبأساليب وحيل قانونية.
وكم من امرأة بحرينية تتعرض للعنف والضرب، كدمات في الوجه واليدين... إلى أين تذهب مثل هؤلاء النساء؟ أين هي المراكز التي تحمي المرأة البحرينية من العنف؟
بعض هذه القضايا حدثت في السابق وحاول بعض القضاة قبل الإصلاح تغيير الوضع إلى الأفضل، إلا أن القهر كان أقوى وجاءت فترة الانفتاح وتأملنا خيرا في إصلاح القضاء الشرعي، وأن تمارس النيابة العامة دورها الحقيقي... بدأ تغيير طفيف، ولكن المؤمل أن يتم الاصلاح بشكل أوسع وأدق وأكثر جدية.
يوم أمس اطلعت على أخبار مؤلمة عن القضاء الشرعي، ولأني لا أرضى إلا بالتوثيق فلن أتسرع في الحكم على القضاء الشرعي أو على النيابة العامة في قضايا لو صحت فستكون بمثابة فضيحة كبرى، لكن من جلست إليهم وعدوني بإعطائي الوثائق التي تثبت هذه الآلام، وكثير منها يتعلق بمظلومية المرأة البحرينية وان كانت هذه المظلومية لا تحتاج إلى دليل، فكون السلطة تفكر في إصلاح القضاء يعني أن هناك أمورا خاطئة تحتاج إلى إصلاح، وأملنا في أي مصلح في النيابة أو القضاء الشرعي هو الدفع أكثر نحو الإصلاح.
إن عصر جلجامش ولى، وانتهى زمن تقف فيه المرأة البحرينية إلى جنب الحائط، ويجب أن يتقاعد كل متنفذ في أي وزارة أو مؤسسة... فأي متنفذ مصفح ضد التغيير؟! يجب ألا يبقى مثل هؤلاء مزروعين في مؤسساتنا كأهرامات الجيزة! في الانفتاح السياسي يجب أن يسقط الكرباج. فلنقف جميعا لنوقف العنف ضد المرأة البحرينية، فهي أمنا وزوجتنا وأختنا وابنتنا، أن ندافع عنها دون أن نتاجر بقضيتها
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 909 - الأربعاء 02 مارس 2005م الموافق 21 محرم 1426هـ