العدد 908 - الثلثاء 01 مارس 2005م الموافق 20 محرم 1426هـ

إنهم قنابل موقوتة مشتعل فتيلها... فاحذروها!

حمد الغائب hamad.algayeb [at] alwasatnews.com

منوعات

في مناظر وما أكثر هذه المناظر التي أراها كما يراها جملة كبيرة من قاطني هذا البلد العزيز، الصغير بحجمه والكبير بأهله، كثيرة هي الحالات التي تدمع لها العين وينكسر لها القلب. .. حالات مزرية فعلا، وإلا ماذا تسمون موظفا بحرينيا يعمل ثماني ساعات يوميا بنظام النوبات وآخرون بالعمل الاضافي وكأنهم خلقوا فقط ليعملوا كأجراء عند الغير ومهددون بكل دقيقة وبكل شاردة وواردة من مسئوليهم البحرينيين تارة ومسئوليهم من الجنسيات الاخرى بـ "الفونش"، ليتسلم هذا الموظف في نهاية الشهر والممتد على مدى ثلاثين يوما 150 دينارا فقط!

ماذا تريدون من فائدة لفرد في المجتمع راتبه لا يتعدى هذا المبلغ الزهيد الذي يتوزع قبل أن يتسلمه... وإن تعدى هذا المبلغ بقليل فهي نتاج "طلعت روحه" وهذا المبلغ الذي يتسلمه في شهر... غيره يصرفه في أقل من نصف ساعة! ماذا تنتظر من فرد هذا مدخوله "الشهري" وهو لا يضمن وجود بعض من تلك النقود القليلات في جيبه حتى الى ربع الشهر وليس الى نصفه في أحسن الحالات، وما هي حدود طموحه وأحلامه وآماله... ألا يحلم بأن يسوق سيارة مثل الاوادم... ألا يحلم بأن يتزوج ويفتح له بيت... ألا يحلم وهذا من حقه أن يمتلك أرضا... ألا يحلم بأن يلبس مثل الاوادم... ألا يحلم بأن يدخل سينما أو يسافر في الصيف حتى عن طريق البر كونه أرخص على الاقل... ألا يمكن أن يكون مهيأ ماديا على الأقل الى أي طارئ... ألا يمكنه أن يأكل وجبة سريعة من أحد مطاعم الوجبات السريعة المتناثرة في كل مكان... ألا يمكنه أن يعزم اثنين من أصدقائه "في الشهر" على غداء أو عشاء من دون أن تتأثر أو تتدهور موازنته... ألا يستطيع أن يجلس مع أصدقائه في قهوة شعبية وليس في كوفي شوب خمس نجوم... أهو واجب عليه أن يمد يده يستجدي المحسنين في أقل الظروف بالنسبة إلى الغير هي أعظمها عنده... وكم هم الذين صاروا يمدون أيديهم للمساعدة... يكفيك أن تقرأ صفحات القراء يوميا وتسمع الإذاعة كل صباح أو تأخذ لك زيارة الى أحد الصناديق الخيرية وما أكثرها لتجد كم هي تصرخ من ويلات حاجة الناس... وكم زاد الماء على الطحين؟! فهذا وضع غير صحي بتاتا في بلد محسوب على أنه خليجي نفطي منفتح اقتصاده قوي منتعش كما يقول المسئولون في تصريحاتهم للصحف دائما!

ألا توجد كرامة لهذا الفرد في المجتمع... أليس من حقه أن يعيش بتفكير أبعد من البحث عن وظيفة أخرى تسانده ليستطيع أن يعيش بمعنى الكلمة وليس العيش برفاهية على الاقل وإن كانت عيشة الرفاهية هي من حقه أيضا؟

عندما التقيت رجل أمن يعمل ضمن شركة خاصة مديره المباشر أجنبي، ورأيته جالسا في أحد الزوايا لأحد مطاعم الوجبات السريعة التي يداوم فيها وشكله يجسد كل معاني الاحباط واليأس... فترى نظراته الكارهة للحياة... وشعوره المليء باليأس المفرط الذي بسببه لولا تدينه لأقدم على الانتحار من دون تردد... فشكله لا يراد له سؤال أو استفسار... فالحال واضحة والمكتوب معروف من عنوانه... خلاصة حديثنا أنه يبحث عن وظيفة أخرى تساند الاولى حتى يعمل في اليوم الذي يحتوي على أربع وعشرين ساعة على ست عشرة ساعة وينام أربع ساعات يكون مضطربا فيها والباقي من اليوم يكون موزعا بين غداء وعشاء وفطور! بالله عليكم أهذه حال يرضى بها الله ورسوله... أهذه حال من فرد تريدونه أن يحس بأنه مواطن صاحب أرض... أين هذا من الزواج... وأينه من المجتمع وأينه من التواصل العائلي أو على مستوى الدرجة الاولى... أينه من العيش بحياة... ينام حتى يعمل... ويعمل حتى ينام ويمر عمره و"لا من شاف ولا من درى".

هذا نموذج من موظفين عاملين كادحين... نموذج من نوعية للطموح هي أقرب لليأس منه إلى الطموح... يعمل ليعيش فقط... وهذه نوعية أخرى من الفقر!

فلا تفكرون بأن العاطل فقط هو قنبلة موقوتة في المجتمع... فهذا العامل الذي يعيش تدنيا في المدخول أيضا قنبلة مشتعل فتيلها... وخطره لا فرق بينه وبين العاطل البتة... فالاثنان يراودهما الشعور واليأس والاحباط نفسه... والاثنان لديهما الحلم نفسه... والاثنان يعانيان المعاناة نفسها ولا تظنوا أن أحدا منهما أريح بالا من الآخر... فكلاهما يعيشان الهم نفسه... فمتى يستقيم حالهم... فهم كثر؟

إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"

العدد 908 - الثلثاء 01 مارس 2005م الموافق 20 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً