العدد 2399 - الثلثاء 31 مارس 2009م الموافق 04 ربيع الثاني 1430هـ

البحرين أمام مفترق الطرق

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يصاب المواطن البحريني بالرعب من مستقبل غير مأمون العواقب يتربص به، عندما يحاول أن يرسم صورة مستقبل الشارع السياسي البحريني. فاليوم والبحرين تكاد أن تنهي عقدها الأول على إطلاق جلالة الملك مشروعه الإصلاحي، يجد هذا المواطن نفسه، وبدلا من التقدم على طريق ذلك المشروع الإصلاحي نحو الأمام، ممنيا نفسه، بمملكة دستورية، تتوزع بينها السلطات بشكل حضاري راق، كما شدد عليها المشروع ذاته، يستدير نحو الخلف متجها، رغما عن إرادته، نحو مجتمع توهم أنه غادره إلى الأبد. فالوضع المتأزم في البحرين، ينذر بعاصفة تتضافر فيها قوى الظلام من أجل تجريد المشروع الإصلاحي من كل أرديته المشرقة، وسربلته، عوضا عنها، بثياب رثة تنتعش فيها أوبئة المجتمعات غير الديمقراطية، بل وربما غير الإنسانية. وهناك الكثير من المؤشرات التي تهدد بانفجار قريب، شبيه بتلك التي عرفتها البحرين، في الخمسينيات، والستينيات، بل وحتى التسعينيات من القرن الماضي. وبوسع المراقب أن يدلل على احتمالات الانفجار من خلال رصد الظواهر التالية:

1. استمرار حالة عدم الاستقرار، التي استطالت حتى شارف عمرها اليوم على ما يزيد من نصف عام، تمظهرت في أعمال عنف ذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء.

فمن يتجول اليوم في أزقة قرى البحرين وبعض ضواحيها، يجد نفسه يسير في طرق انعدمت فيها الخدمات الأساسية، من كهرباء ونقل القمامة، وإشارات المرور الضوئية.

تشتعل فيها وكل ليلة، الحرائق، وتمتلئ سماؤها بطلقات رصاص المطاط، وتغطيها أدخنة مسيلات الدموع.

تزيد هذه الأزقة عتمة الاتهامات المتبادلة بين السلطة، وبعض أطراف المعارضة، في تشخيص المتسبب في تصعيد الأمور كي تصل إلى ما وصلت إليه.

2. تأجيل البت في الكثير من الدعاوى والقضايا ذات الخلفية السياسية، الأمر الذي أدى إلى إرباك الشارع البحريني. فحتى يومنا هذا لا يزال الكثير ممن اعتقلوا لم يطلق سراحهم، تحت طائلة أنهم لا يزالون رهن التوقيف من أجل استكمال الحقائق، في حين منطق الحق والعقل يقول، إن على القضاء الإسراع في تقديمهم لمحاكمة تتوافر فيها كل شروط الشفافية والعدالة، ويصدر بموجب النتائج التي تنتهي إليها جلسات المحاكمة، الحكم على من وجهت إليهم التهم.

أما أن يستمر التوقيف، بغض النظر عن مبرراته القانونية، فذلك كمن يصب الزيت على نار الاحتقان الذي يحكم الشارع السياسي البحريني، فيزيد من اشتعاله، الأمر الذي يقود إلى تأجيج الصراع وتصعيده.

3. سعي بعض الجهات لزعزعة مواقع القيادات السياسية المعارضة، من خلال الاتصال ببعض الشخصيات والتلويح لها بدور سياسي في المستقبل القريب، وعلى وجه التحديد في انتخابات المجلس النيابي القادمة أو التعيينات في مجلس الشورى، متوهمة بأنها تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فمن جهة تبرز إلى واجهة العمل السياسي، رموزا تكون قريبة من السلطة، وبالقدر ذاته تشيع في الشارع السياسي شعورا بفقدان القيادات التقليدية لمواقعها القيادية.

4. تمزيق نسيج العلاقات الإيجابية ضمن الطائفة الواحدة، عن طريق الإيعاز لبعض القوى أو الشخصيات المهمشة، بحقها وأحيانا بحظها في نيل مواقع سياسية متقدمة، إن هي طرحت مشروعا يخالف الإجماع، أو الرأي السائد المستمد من موافقة أغلبية الطائفة عليه.

هنا لا تكتفي هذه الجهات بتمزيق المجتمع البحريني إلى طائفتين متصارعتين، بل تمعن أكثر في تجذير التشرذم من خلال إحداث شروخ عمودية في كل طائفة على حدة.

5. تبرير الإجراءات القمعية وتصعيدها، بدلا من الاحتكام إلى منطق العقل والرجوع إلى القوانين والأنظمة، مما يقود إلى شيوع حالة من الفوضى، تشجع على الكثير من أعمال العنف غير المسئول، وتسوي التربة أمام النزعات المتطرفة والمغامرة من جهة، وتبرر لإجراءات القمع من جهة ثانية.

الضحية الأولى والأساسية في كل ذلك هو المواطن البحريني الذي يجد نفسه محصورا بين مطرقة القمع غير المبرر من قبل أجهزة السلطة، وسندان الأعمال المتهورة غير المسئولة والمغامرة.

مفتاح الحل، الذي بوسعه أن ينتشل البحرين من طريق الانفجار المتوقع، هو، أساسا، في يد أجهزة السلطة المختلفة، بما فيها السلطة التشريعية، الغارقة اليوم، بوعي أو من دون وعي في فخ الصراع الطائفي الذي نصبته لها قوى معادية للمشروع الإصلاحي الملكي من جهة، وتتضارب مصالحها المالية والسياسية مع ذلك المشروع من جهة ثانية.

لكن، وعلى وجه التحديد، بقدر ما يقع على عاتق أعضاء السلطة التشريعية مسئولية تهدئة الشارع، ونزع فتيل الاحتقان السياسي منه، يقع على عاتق السلطة التنفيذية أيضا مسئولية التوقف عن سياساتها تجاه المواطن القائمة على «عدم الثقة المطلقة» الذي ورثتها أجهزتها، ولا تزال غير قادرة على التخلي عنه، من عهود قانون أمن الدولة، والمرتكزة - تلك السياسة - على مواجهة المعارضة بكل أشكالها العاملة تحت مظلة الدستور والقوانين الشرعية، بأشد أنواع القمع وأكثرها وحشية.

باختصار شديد، كل المؤشرات تدلل على أن البحرين تقف اليوم أمام مفترق طرق معقد، وعلى أهل الحل والعقد، في طرفي الصراع، أن يغادروا كهوفهم القبلية المظلمة، وأن يخلعوا عنهم أثواب الطائفية الرثة، وأن ينضووا جميعا تحت مظلة واحدة تحكم توجهاتها مصلحة البحرين التي ينبغي، وبدلا من أن تنزلق قدمها نحو زقاق قانون أمن الدولة وتبعاته المعتمة، تتجه نحو جادة المشروع الإصلاحي وتفرعاته المشعة والمضيئة.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2399 - الثلثاء 31 مارس 2009م الموافق 04 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً