العدد 907 - الإثنين 28 فبراير 2005م الموافق 19 محرم 1426هـ

أدلبي: الذات الشاعرة تطلق حزنها لتعانق العالم

عرفت الشعر فامتصته خلايا روحها

تقول بهيجة ادلبي عن الشعر وهي صاحبة عدد من الروايات والدواوين الشعرية أبرزها "رحلة في الزمن العمودي" و"ألواح من ذاكرة النسيان" وعدد من دراسات خاصة بالطفل كصوغ قواعد اللغة العربية، ومغامرات صائل "قصة" إن العالم الشعر تطلق ذاتها من حزنها، لتعانق حزن العالم. في حوارنا معها حاولت بهيجة أن تقترب بنا الى بعض الخطوط المخفية في ذاتها الإبداعية، فكان هذا اللقاء...

الابداع... كيف تكون معناه لديك؟

- عندما عرفت ذاتي عرف الشعر طريقه إلي فامتصته خلايا روحي، لتحيله إلى قصيدة مطلقة في فضائي المعتم على أمل أن يضيئ عتمتي ويكشف عماي. وبدايتي كانت منذ عشرين عاما حين تلمست القصيدة طريقها إلى ذاتي، فحررتني بقيدها، وأرسلتني إلى عوالم أسرارها المطلقة، فتحول الإبداع عندي الى رحلة تبدأ بالكائن ولا تنتهي بانتهائه، إنها رحلة مستمرة من الصمت والكلام، من التأمل والإبحار في المجهول.

أجد أن الأجناس الأدبية متعددة في نفسك، فهل تغلب أحدها على الآخر؟

- إنها الذات الإنسانية وما تنطوي عليه، فكثيرا ما تحيرني هذه الجوانية التي يحملها زيفنا الهيكلي. وأنا أعتمد النبش في أغوار الذات الإنسانية كأرضية أساس لكل أعمالي الأدبية، أما قضية الشكل الفني للعمل فليست أكثر من أطر هيكلية، لا تعني أكثر من اسم نطلقه على الجسد الفني الذي ننجز. أما روح الإبداع فواحدة. لذلك لا يمكن أن يطغى فيها شكل على آخر لأن الكتابة عندي فعل وجود، ولكل شكل من هذه الأشكال الأدبية وجوده الخاص في ذاتي.

لقد أفردت فصلا كاملا من ديوانك "رحلة الفينيق" لمدينتك الأثيرة حلب، فما الذي يعنيه المكان لك شعريا وروائيا؟

- المكان مهد الأديب ومنطلقه الأول للوصول إلى العالم وهو المرتكز لأي عمل إبداعي شعرا كان أم قصة أم رواية. وكل عمل يفتقد للمكان يفتقد بالضرورة للخصوصية والتفرد الإبداعي. إنه ذاكرة المبدع وانتماؤه والحاجه الروحية الأولى بالنسبة إليه، وبما أنني ابنة مدينة حلب التي طالما أغرت المبدعين فقد عشقت تاريخها، بكل ما فيه ومعالمها بكل ما فيها، فهي ذاكرتي، ذاكرة الحكمة وذاكرة الخلود، علمتني معالمها كيف أكون، وساحاتها كيف أتسع للكون، وقلاعها كيف أسمو وأسواقها كيف أعيش، وكنائسها كيف أصفو ومساجدها كيف أرتقي سلم الروح، علمتني مدارسها وشوارعها كيف أكون كما كانت حلب المدينة التي مثلت مساحة واسعة في عملي الروائي عموما ورواية "الغاوي" خصوصا من خلال الأماكن التي ساهمت في خدمة الفكرة الروائية الأساس للنص، فالمكان يعكس جوهر العمل الفني وهذا الأمر لا يخص جنسا أدبيا بعينه، وإنما يلعب دورا مهما حتى في القصيدة الشعرية كحال تشكيلية، ولو عدنا إلى القصيدة العربية وخصوصا الجاهلية لوجدنا ما للمكان من أهمية انطلاقا من الأطلال وليس انتهاء بها.

"ألواح من ذاكرة النسيان" كانت مغامرة فهلا حدثتنا عنها؟

- ألواح من ذاكرة النسيان مغامرة في دخول التجربة المشتركة التي سبقنا إليها منيف وجبرا في روايتهما المشتركة عالم بلا خرائط، وكما أرى أن النص المشترك هو ذات توحدت في نص ولعل الموضوع والبنية العامة تحيل هذا النص إلى هذه التجربة، وليس بالضرورة الاتفاق الفكري وإن كان موجودا وإنما بالضرورة أن يكون ثمة انسجام ليولد النص معافى، والرواية هي نبش في التاريخ محورها الأساس أسطورة جلجامش و غايتها الكشف عن الصندوق الأسود الذي كان مخفيا تحت كرسي العرش. حاولنا فيها أن نقرأ الماضي العميق من خلال الحاضر المؤلم برؤى نحو المستقبل المجهول الذي نضع حوله أكثر من دائرة تساؤل وأكثر من إشارة استفهام.

وماذا عن رواية الغاوي؟ هل المصادر المعرفية ضرورية فيها؟

- الغاوي رواية تبحث في كيفية الوصول إلى المعرفة، لتكشف عن الحقائق الغامضة، والتي ما إن تدركها الذات حتى تفقد وجودها، من خلال هذه الصورة تعرض الرواية لفلسفة المعرفة وغيبياتها، وفلسفة الكائن الذي يبحث عن هذه المعرفة، وما أغواه فيها... وما الذي تعنيه كلمة الغواية... وكيف تمت؟ ولماذا؟ وما هو سبيل هذا الكائن الناري الذي يحاول أن يصل إلى كينونته الأولى وكيف؟ الرواية بمجملها سرد لعلاقة الطين بالنار وفلسفة لهبوط آدم... هل كان لآدم تصور مسبق عن الأرض؟ هل غامر فكانت الغواية؟ هل جعل حياته حال حلم للعودة؟ أم أنه كان يدرك ضمنا خداع ذاته بهذه العودة بعد أن أعلن استقلاله عن الله؟ من خلال السرد الروائي تتجلى تلك الصور الميتافيزيقية التي تعلن زمنها وعالمها بكل ما فيها من خصوصية التشكيل والرواية في النهاية بحث عن الفردوس المسلوب، وحفر في عمق الإنسان، واحتمالات خلوده، إنها سؤال مفتوح على النهاية يحمل في داخله أسئلة البدء. أما عن مفهومي للرواية، فالرواية لدي هي عمل معرفي يحتاج إلى مصادر، فلم تعد الرواية حالا من حالات جمالية السرد والقص فحسب إنما هي رسالة معرفية تحمل أبعادها إلى القارئ من خلال مصادر معرفية تعمل على خدمة الفكرة الأساس للنص ففي رواية الغاوي كانت مصادري مختلفة ومتشعبة من كتب فلسفية ودينية وتاريخية، لأقدم حال تصور تجمع ما بين الفكر التأملي للذات والذهنية المعرفية التي تحملها ذاكرتنا





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً