كنت في زيارة خاطفة للمخيم الكشفي السنوي الرابع والثلاثين الذي يقام سنويا في أرض المخيم الدائم في بلاج الجزائر، وزيارتي هذه لمخيم الكشافة هي الزيارة السنوية المعتادة التي أنتظرها بفارغ الصبر، من خلالها أسترجع ذكرياتي الكشفية وصولاتي وجولاتي. .. وفيها أستذكر كذلك كم لهذه الحركة من فضل علي لأصبح رجلا يدعي بمعرفته كيف يعتمد على نفسه ويجيد حسن التصرف في المواقف الحرجة.
ففي كل زيارة لي لأي نشاط كشفي آسف كل ما آسف عليه من تحكم الظروف بي وطغيانها علي وإرغامي على ترك أو اعتزال العمل الكشفي بكل معنى الكلمة، كون الكشفية لها هاجس خاص يرفرف في خاطري ولها ذكريات مشرفة في تاريخي لا أحب أن أنساها... وزياراتي لتلك الأنشطة ولاسيما المخيمات هي ما تجعلني أستمتع بتذكر تلك الأيام وهو ما يمثل لي جزءا كبيرا من المتعة ويعطيني الفرصة للاستمتاع الحقيقي بذكرياتي وسط دوامة الحياة التي أعيشها من انشغالات والتزامات وارتباطات بدأت من زمان ولا أعلم متى ستنتهي!
ولكن المتابع ولو من بعيد لسير الحركة الكشفية في البحرين على رغم اجتهاد القائمين عليها وتفانيهم في المحاولة من رفع مستواها في البحرين مقارنة ببعض الدول الخليجية المحيطة على الأقل، سيلاحظ أنها أقل من المستوى... لا لتقصير في الجهود ولكن لأسباب أخال بعضها خارجة عن إرادتهم... وفي اعتقادي أحد أهم هذه الأسباب لهذه "النكسة" في المستوى هو الموازنة، وذكري للموازنة ليس من قبيل كون سبب أي تقصير هو شماعة الموازنة بقدر ما أؤمن بأن "الفلوس" نفوذ... فكون الحركة الكشفية تعتمد الاعتماد الأكبر على تعليم الطلبة الاعتماد على النفس وسط مجتمع تعلم على الاتكالية المفرطة هذا صعب... بالإضافة إلى فقر الأنشطة التي تستطيع أن تتحدى وتكون مصدر إغراء للطالب لتشجعه على الانخراط في هذه الحركة كون الكشفية الآن لا تمثل منافسا حقيقيا لمد الانترنت والقنوات الفضائية وألعاب الكمبيوتر ولا حتى الأندية الرياضية كونها هي الأخرى أيضا تدخل في نطاق تدني المستوى! لا ننكر دخول الكشافة إلى عالم الكمبيوتر ولكن يجب أن نعترف أيضا بأنها دخلت هذا العالم بخجل شديد كونه عالما مكلفا يحتاج إلى موازنة "محترمة" كما ذكرنا سابقا، ولم نتطرق إلى نوعية الأنشطة التي عفا عليها الزمن من تنظيف سواحل هنا أو جمع أدوية هناك "والتي كنت أحاربها منذ أيام ما كنت ضمن قالب الحركة الكشفية" أو مخيم فردي معروف برنامجه بسبب التكرار وخلوه من المفاجآت، ووجود الأنشطة المبتكرة هو من النوادر وإن وجدت فهي لا تكاد تذكر!
الحركة الكشفية في البحرين تمشي حاليا على الخط الثاني من رواد هذا العمل، كون غالبيتهم تقاعدوا عن العمل وآخرون اشتغلوا في أعمال حرة بعيدة عن الكشفية... ولكن السؤال: هل هذه الحركة لديها خط ثالث؟ وإن سلمنا ووافقنا على وجوده... فهل نضمن وجود الخط الرابع والخامس والسادس الذين هم أمل استمرار الحركة الكشفية في البحرين؟!
مناسبة حديثي هنا هو أنه لا توجد حوافز "مادية" أو حتى رمزية تشجع الناس المناسبين على الانخراط في هذه الحركة... وحديثي هنا على مستوى القيادات وليس الطلبة... بل إن الحركة تمشي وتسير أمورها اعتمادا على أفراد عاشقين لهذه الحركة... ولا تضمن أن تجد أمثالهم في المستقبل حتى القريب على الأقل... ووسط حياة صعبة يحسب فيها كل شيء بمعيار الربح والخسارة يجد أن انخراطه في الحركة الكشفية تطوعا لا يعدو كونه مضيعة للوقت يمكنه أن يتخلص منها مقابل أي عرض آخر، فالموضوع الذي يحتاج إلى دراسة من المسئولين عن استمرار هذه الحركة هو كيف تشجع القياديين النوعيين على الانخراط وطرح خبراتهم وإعطاء وقت محسوب من وقتهم يفكرون ويخططون ويطورون هذه الحركة في البلد.
رجعنا إلى نقطة البداية وهي الموازنة! والعمل على البركة كما هو حاصل الآن لا ينفع، ولا نقول إن الموازنة هي العقبة الوحيدة في تطوير الحركة الكشفية في البحرين، ولكننا عرضناها هنا مثالا، ولكن يجب على المختصين أن يدرسوا خيار التطوير مبتدئين بالموازنة، ففي اعتقادي هي نصف المشوار.
إضاءة
لايزال بعض الناس يتكالبون على العمل التطوعي "الصناديق الخيرية مثالا" لا من أجل العمل نفسه ولكن من أجل المنصب الذي ترافقه صور وتصريحات في الصحف والنشرات... فبعضهم فقد الأمل في أن يكون رئيسا في أي مكان أو حتى في بيته... وأمله الأخير هو أن يكون رئيسا هنا... وهذا هو أضعف الإيمان أو كما يقولون "العوض ولا الحريمة
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 906 - الأحد 27 فبراير 2005م الموافق 18 محرم 1426هـ