فجأة اكتشفنا مدى حاجة مجتمعاتنا إلى الوسطية والمنهج الوسطي وذلك أننا ربينا ثعبان التطرف سنين في حجرنا فلما لدغنا اكتشفنا خطيئة الاحتضان. والسؤال: من الذي زرع التطرف في بلداننا العربية، ومن أي ضرع راح يشرب هذا الوليد الغريب والذي تضخم حتى أصبح كالغول؟... الآن نبحث له عن طفولة وبراءة ومرت سنين والمنهج التكفيري عالقا في مناهجنا الدراسية وفي بيوتات الأدلجة ودكاكين الإقصاء.
150 عاما مرت على المجتمع العربي وهو يرضع من حليب الإقصاء ويربي أبناءنا على ثقافة التكفير بدلا من التفكير. وما نشهده الآن من ثقافة قطع الرؤوس يشعرنا بحجم الخطأ وبخطورة الخطاب المفخخ، ولكنه على رغم ذلك ليس عيبا أن نكتشف الخطأ، ولكن الخطأ أن نواصل على المنهج ذاته غرورا وتكبرا.
لهذا ينبغي علينا أن نزرع الثقافة الإنسانية في عقول أبنائنا وأن نبني منابر وسطية جادة لتدارك ما يمكن تداركه لأننا مقبلون على فرز مخيف ومرعب وخصوصا بعد التوازن الجديد في العراق. يجب أن نعلم أطفالنا على التعددية وعلى القواسم المشتركة بين الشعوب، والوسطية ليست بدعا وهي متوافرة ويفيض بها النص الديني والتاريخ البشري والإسلامي، "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس". وأرسطو يقول: الفضيلة وسط بين طرفين. يجب أن نزيل من عقولنا تلك الثقافة الخاطئة.
ونحن أناس لا توسط بيننا
لنا الصدر دون العالمين أو القبر
فالرسول كان يردد: "إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة". والأحاديث تعلمنا أدب الحوار واحترام خصوصية الآخر بلا أفكار منمطة تستشعر الدونية والعلو والفوقية تجاه الآخر، ولو كان من أهل الكتاب فضلا عن أن يكون مسلما.
العالم تغير... انتهى نهج الابارتيد، وليس هناك أناس ذوو دم أحمر وأناس ذوو دم أزرق... ليس هنالك أبناء ست وأبناء عبدة، في تكويننا السيكولوجي وتركيبنا الفكري يجب ألا يقوم على العقد تجاه الآخر أيا كان. مانديلا أصبح جزءا من القرار في جنوب إفريقيا بعد أن كان أسير زنزانة. السود في أميركا أصبحت لهم حقوق. الأقليات يجب أن يحترموا في العالم العربي سواء كانوا مسيحيين أو يهودا، أو كانوا أقباطا أو مسلمين. اليوم الاحترام يجب أن يكون للعقل والمنطق يفوز لمنطق الكفاءة، حتى في العراق... أنا من مؤيدي أن يكون حاكم العراق كرديا فذلك سيجعل العرب يشعرون بأن الفوقية في التعامل مع الأكراد لا تنفع.
الإمام علي "ع" يحترم الأقليات حتى من أهل الكتاب، وينقل إلينا التاريخ أنه مر على شيخ مكفوف كبير يستكفف الناس، فقال: ما هذا؟ فقالوا: نصراني، فقال الإمام: تستعملوه حتى إذا كبر وعجز منعتموه؟ أنفقوا عليه من بيت المال. وينقل التاريخ أيضا أن الإمام علي مر في يوم من الأيام على كنيسة هو وأحد أصحابه، فقال صاحبه وهو يشير إلى الكنيسة: طالما أشرك بالله هاهنا، فرد عليه الإمام: "لا تقل ذلك، بل قل طالما عبد الله هاهنا". وعندما هجم العدو على دولة الإمام علي، سلب المرأة المسلمة والمرأة الذمية، فتألم الإمام من دون تفريق لكلتيهما، فقال: "ولقد بلغني أن الرجل منهم يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلائدها، فلو أن إمرءا مات بعد ذلك أسفا لما كان عندي ملوما".
إقرأ الإسلام قراءة إنسانية... الإسلام دين الرحمة من بين الأديان الأخرى، الإسلام يتصيد إيجابيات الآخر، وعلي "ع" يقول: "فهم صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق". كما أننا نطالب المجتمعات بالوسطية والتي تعاني الاعتدال، نطالب الحكومات بالوسطية في توزيع الثروة وفي إشراك الشعوب في صوغ القرار السياسي، فالوسطية لا تصمد إلا بالعدالة والحكم الصالح.
حضرت المنتدى كمشارك، وللحق فالمنتدى كان ناجحا والتقينا مفكرين عربا، منهم: حسن حنفي، سعاد الصباح، طيب تزيني، محمد الرميحي، الأنصاري، فخرو، بشارة، وشعبان وعدد كبير من كبار لا يسع المقام لذكرهم. وكانت كلمة الأمير الحسن بن طلال متميزة في طرحها وواقعيتها.
ملاحظة:
أشكر كل الإخوة المتصلين من خريجي المعهد العالي وتقديرهم للجهود التي بذلت لإنجاح ملفهم، فالفرحة عمت جميع الأهالي وذكرتني بفرحة الأطباء عندما نجح ملف تثبيت عقودهم. بدوري أقدم لكل واحد منهم وردة حب وفرح، وما ضاع حق وراءه مطالب
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 906 - الأحد 27 فبراير 2005م الموافق 18 محرم 1426هـ