العدد 906 - الأحد 27 فبراير 2005م الموافق 18 محرم 1426هـ

الأميركيون ضحية خديعة اسمها... أوروبا

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

هل هي مغامرة أن نصف الولايات المتحدة بالغباء، أو بأنها مخدوعة؟ تعيش الولايات المتحدة حالا من الضبابية في تعريف دور حلفائها الذين يستفيدون بلاشك من تدخلاتها في شتى أقطار العالم، بينما تبقى هي الوحيدة الخاسر الأكبر تارة لأرواح جنودها وتارة لصورتها الدولية.

لقد طرأت في الآونة الأخيرة تغيرات عدة وجذرية على طبيعة السياسة الدولية ومفهوم القوة والشئون الاجتماعية. والعلاقة بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية علاقة متوترة حاليا. أوروبا التي احتضنت جغرافيتها الحربين العالميتين لم تعد ذات أهمية جغرافية استراتيجية خاصة بعد نهاية الحرب الباردة.

الأميركيون يتهمون سلوك الأوروبيين في أعقاب الحرب العالمية الثانية بأنه سلوك انتهازي اتكالي، وخصوصا في ضوء التخفيضات الكبيرة الأخيرة في الموازنات العسكرية الأوروبية التي تقابلها زيادات هائلة في موازنة التسلح الأميركي، والتي كان آخرها إقرار 420 مليار دولار موازنة للدفاع للعام 2005م بزيادة قاربت 6 في المئة عن العام الجاري، الأوروبيون حلفاء الناتو لا يقومون بدورهم كما يجب، وهذا ما لا يستطيع الأميركيون الإفصاح عنه في كل مناسبة أو لحظة صراع حقيقية.

من وجهة النظر الأميركية التي ترى الفشل الجماعي الأوروبي في المشاركة وتحمل الأعباء والتكاليف حتى عند شن الحرب الجوية على كوسوفو ،1999 على رغم أن الصراع كان يدور في قلب أوروبا أو لعله شأن أوروبي خالص... كانت الفاعلية العسكرية الأوروبية مدعاة للاستياء والانتقاد لما كانت عليه من ضعف تقني ولوجستي، فالعمليات العسكرية للناتو كانت معابة بالكثير من الإخفاقات التقنية الفاضحة بالنسبة إلى سلاح الجو الأوروبي، كما وصفها بعض العسكريون الأميركيون.

أوروبا الفاعلة في قضايا العولمة والتلوث البيئي والجريمة وانتشار الأمراض وموجات الهجرة المتتابعة، كأنها تنفرد داخل منظومة الأطلسي بالاهتمام بكل ما هو ليس عسكريا تحديدا، بل إنها تسجل حالات معارضة واضحة لواشنطن في اكثر من محفل "معاهدة كيوتو، العولمة"، حتى أن مساعداتها للدول النامية تفوق ما تقدمه أميركا. وكأنها "الدول الأوروبية" غير مهتمة أو مكترثة بمفهوم الصراع الذي تخوضه حليفتها واشنطن، في رسالة واضحة "اذهبي يا واشنطن وحاربي إنا ها هنا قاعدون".

غالبية التحليلات الأميركية ترى أن معظم جوانب القدرة الأوروبية العسكرية والسياسية "وخصوصا مصالح الناتو الأميركية" هي جوانب لم تزل بحاجة إلى كثير من الإنفاق من قبل الأوروبيين. لعل الحقيقة الكبرى هي أن النجاحات الأميركية في التصدي للتحديات والنزاعات الإقليمية حول العالم تؤدي في كثير من الأحيان إلى تحقيق مصالح أوروبية حتى في المناطق البعيدة كشبه قارة جنوب آسيا وشمال شرق آسيا.

الفرضية المنطقية هي أنه بعد انتهاء الخطر الشيوعي لم يعد للناتو مبرر للبقاء. إلا أنه بقي، بمعنى أنه ملتزم بمواجهة مخاطر جديدة أو قديمة قد تعود للواجهة السياسية يوما ما، إذ يتداخل بمعنى هنتنغتون "صراع الحضارة". إلا أن الملاحظ هو أن أميركا من يدفع ثمن هذا الصراع بمفردها، أما الأوروبيون فهم من يتحصل النتائج الاقتصادية بمردودات مميزة الطريف معارضة فرنسا لحليفتها الأطلسية واشنطن في حربها على العراق إلا أنها تجاهرت برغبتها في الدخول في صفقات إعادة الإعمار!

للجميع أن يتساءل عن فاعلية مادة الدفاع المشترك للناتو "مبدأ أن تقوم 16 دولة بالدفاع عن نفسها بشكل مشترك" والذي فعلته الدول الأوروبية مجاملة بعد هجمات سبتمبر/ أيلول دونما فاعلية حقيقية. على صعيد آخر رحبت الولايات المتحدة وبشدة وبغرابة صوغ الاتحاد الأوروبي سياسة موحدة للشئون الأمنية والدفاعية ESDPلإيمان أميركا بأن ترحيبها قد يضفي فاعلية للدور الأوروبي في عمليات الناتو المستقبلية التي كانت آخر مطباتها "عملية كوسوفو" التي أثبتت عجز القوة العسكرية الأوروبية بشكل ملحوظ، بالتزامن مع اعتقاد الكثير من المحليين العسكريين والسياسيين بألا تمتد القدرة الأوروبية على ممارسة القوة العسكرية خارج إطار الناتو أو خارج الأراضي الأوروبية تحديدا.

هناك منظومتان أوروبيتان للدفاع تعتمد عليهما القوى الأوروبية في الحفاظ على شخصيتها السياسية والحضارية: المنظومة الأولى ESDP "تحت لواء الناتو" وهي منظومة تشدد قوانينها الداخلية على الاقتصار على مد يد العون عندما تطلب الأمم المتحدة أو أحد الأعضاء ذلك صراحة. أما المنظومة الثانية فهي EFSP "تحت لواء الاتحاد الأوروبي" التي تتسم بميزة خاصة وهي أنها تمنح مؤسسات الاتحاد الأوروبي الحق في التدخل بحرية في الأزمات الدولية منذ لحظة تفجرها على المستوى السياسي، وحتى استخدام القوة العسكرية لحل تلك الأزمات عند تفاقمها. ويأتي تصريح السيناتور الأميركي ريتشارد لوجار ليعطي الدلالة الكبرى على وجهة النظر الأميركية تجاه الناتو كمنظومة عسكرية، إذ يقول "إما أن يبدأ الناتو في استخدام القوة خارج أراضيه، وإما انه سيختفي من الوجود".

لاتزال السياسة الأوروبية تلعب دور المتكل المستغل للولايات المتحدة في صراعها الحضاري مع الحضارات الأخرى، الإسلام، الصين، وحتى إفريقيا بينما تبقى أوروبا منتظرة مصالحها الاقتصادية بعد كل تدخل أو صراع. لعل الولايات المتحدة في خضم هذا الوضع المعقد من التوتر في علاقاتها بمنظومة الأطلسي بحاجة إلى إعادة النظر في تقييم شركائها بدقة، حتى لندن، من يعتقد البعض أنها حليف استراتيجي لأميركا قد يصعقون حينما يحاولون تحديد مدى العلاقة التناسبية لما استفادته لندن وما خسرته في حرب تحرير العراق، ولعل لندن أفضل من يستطيع استغلال الاميركيين. لعل الولايات المتحدة بحاجة إلى أن تهتم بأنها وحدها من يخسر الجنود ويستقبل عداءات الشعوب، أما الأوروبيون فهم معفون من ذلك على رغم تلازم المصلحة بين الاثنين.

كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 906 - الأحد 27 فبراير 2005م الموافق 18 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً