يتضمن جدول أعمال الدورة "32" لمؤتمرنا هذا الكثير من الموضوعات المهمة التي تهدف إلى إصلاح أسواق العمل في الوطن العربي وتعزز مبادئ التكامل والوحدة، ولعل تقرير المدير العام الذي خصص هذا العام لتطوير وتحديث إدارة العمل يأتي ضمن هذا الهدف إضافة إلى تنظيم القطاعات الإنتاجية وخصوصا الاهتمام والنهوض بالقوى العاملة فيها، ويأتي موضوع النهوض بالعمالة عن طريق الاهتمام بالقطاع غير المنظم ليفتح فضاء مهما لابد من اختراقه، إذ يعتبر القطاع غير المنظم من القطاعات التي لم تدخل في الكثير من المعايير ولم يول الاهتمام المطلوب ولم تتوافر بشأنه قاعدة من المعلومات والإحصاءات والمؤشرات، على رغم أن معظم الدول العربية تحتضن قطاعات غير منظمة لها دور في النمو الاقتصادي ونصيب في الناتج القومي، ومن المهم أن نبدأ ولو متأخرين في الاهتمام الجدي بهذا القطاع ونصوغ التشريعات الكفيلة بحماية حقوق العاملين وتحسين ظروف وشروط العمل فيه.
ويأتي ضمن تقرير المدير العام الملحق الخاص بالمشروع المعدل لإعلان مبادئ بشأن حرية تنقل الأيدي العاملة العربية باعتبارها موضوعا في غاية الأهمية بالنسبة إلينا، وخصوصا بالنسبة إلى دول الخليج العربي التي تجلب الآلاف من العمالة الأجنبية غير العربية، إذ تحولت هذه العمالة إلى مشكلة كبيرة من حيث منافستها الكبيرة للآلاف من الخريجين الداخلين في سوق العمل من المواطنين والباحثين عن عمل في ظل استفحال ظاهرة البطالة في صفوف المواطنين مع هيمنة كبيرة للعمالة الأجنبية الوافدة على أسواق العمل الخليجية، وإذ بدأت العولمة الاقتصادية تمارس ضغطها التدريجي عبر التزامات دول مجلس التعاون الخليجي باتفاقات منظمة التجارة العالمية أو الاتفاقات التجارة الحرة أو شروط ومعايير المؤسسات المالية والنقدية الدولية أو متطلبات الاستثمار الأجنبي، وهي كلها تدفع في اتجاه تحرير أسواق العمل وتنفيذ برامج الخصخصة التي من شأنها تفاقم ظاهرة البطالة في صفوف المواطنين.
هذا الضغط المعولم على أسواق العمل الخليجية بدأ يركز رويدا رويدا على فرض اتفاقات ومعايير العمل الدولية التي تعزز المساواة وعدم التمييز في الحقوق لجميع العمال بغض النظر عن جنسهم وجنسيتهم ودينهم وعقائدهم، وها هو اتفاق الأمم المتحدة لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم بدأ يروج له من أجل الحصول على المزيد من التصديقات عليه، الأمر الذي يتطلب من الدول العربية الخليجية قرع جرس الإنذار لراهن مجتمعاتها ومستقبلها، إذ تضمن هذا الاتفاق الدولي كثرة من الحقوق المشروعة للعمال وضرورة تحقيقها فضلا عن جملة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بل والثقافية والسياسية، ولذلك تأتي أهمية الإعلان العربي لحرية تنقل الأيدي العاملة العربية كخطوة أولى نحو تعديل واقع أسواق العمل الخليجية وتقليل الاعتماد على العمالة غير العربية وتسهيل انتقال العمالة العربية ذات الثقافة والهوية العربية الإسلامية والمتناغمة والمتوافقة مع ثقافة وهوية مجتمعات الخليج العربي.
ونحن نتكلم عن التكامل العربي على الصعيد العمالي، لابد أن نبدأ بإصلاح البيت الداخلي لكل دولة عربية، لابد من الإصلاح السياسي وتعزيز حقوق الإنسان ودولة القانون والمؤسسات الديمقراطية التي تعزز الشراكة المجتمعية الشعبية، لابد من تعزيز دور النقابات العمالية وحق التنظيم النقابي الحر والمستقبل والديمقراطي في دولنا، إذ إن تحقيق ذلك هو صمام الأمان لمفاوضة أو مواجهة العولمة المتوحشة، ولذلك فإننا كاتحاد عام لنقابات عمال البحرين نتطلع إلى المزيد من التطوير والتقدم للتنظيمات العمالية في دول مجلس التعاون التي لم تنشأ فيها لغاية الآن النقابات العمالية وعلى أسس ومعايير سليمة لتنطلق الحركة النقابية العمالية الخليجية نحو التكامل والعمل المشترك من أجل المساهمة الفاعلة في تعزيز الحقوق العمالية ودعم التنمية الإنسانية التي تنشد رفاهية الإنسان وصون كرامته وحماية راهنه ومستقبل الأجيال الصاعدة من شباب هذا الوطن الممتد من الماء إلى الماء.
وفي هذا المقام لابد ونحن نشيد بالتطورات الإيجابية التي تحققت في بلادنا ومبادرة جلالة الملك في دعم مطالب العمال التاريخية في تأسيس نقاباتهم العمالية إذ صدر مرسوم بقانون يسمح بتأسيس النقابات العمالية واعتبار الأول من مايو/ أيار عطلة رسمية، وهي خطوات تركت آثارا إيجابية كبيرة في صفوف القوى العاملة البحرينية بل والعربية والدولية التي أشادت بهذه الخطوات الرائدة، غير أن ديوان الخدمة المدنية لم يستوعب بعد التحولات الكبيرة الحاصلة على الصعيد الوطني أو العالمي التي تعزز الحقوق والحريات العامة وتنحاز نحو الإباحة والتسامح وليس نحو التقييد والمنع والحظر، ولذلك فإن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين ومعه جميع النقابات العمالية قد رفض التعميم الإداري الذي صدر عن ديوان الخدمة المدنية في مملكة البحرين والذي بموجبه وبموجب تفسيره الجامد لقانون النقابات العمالية حظر تأسيس نقابات عمالية في القطاع الحكومي، الأمر الذي اعتبرناه ومعنا في هذا الرأي غالبية مؤسسات المجتمع المدني القانونية والحقوقية والسياسية والمهنية والأهلية يخالف روح وأحكام دستور البلاد ومواد وروح قانون النقابات العمالية ويتناقض مع الاتفاقات والمعايير الدولية في حق التنظيم النقابي لجميع العمال بغض النظر عن موقع عملهم.
وعليه فإن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين سيستمر في خطواته من أجل تثبيت هذا الحق الأصيل للعمال من دون تمييز.
إن الحركة النقابية العمالية البحرينية التي ناضلت منذ العقد الثالث من القرن الماضي من أجل حاضر وغد أفضل للعمال والموظفين لهي مؤمنة بأن مستقبلنا جميعا كعرب، شعوبا وعمالا وحكومات وأصحاب عمل بمثابة جنين في رحم حاضرنا، وإذ يكون الحاضر سليم البنية ومعافى، يخرج الجنين في موعده وهو صحيح البنية ومعافى وليس فيه أدنى تشوه أو نقص.
* نائب الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، والكلمة ألقيت في الدورة الـ 32 لمؤتمر العمل الدولي في الجزائر 12 - 19 فبراير/ شباط 2005
كاتب بحريني
العدد 905 - السبت 26 فبراير 2005م الموافق 17 محرم 1426هـ