وسط الجدل الدائر بشأن شرعية تعاطي الأمانة العامة للمؤتمر الدستوري - التي استحدثتها جمعيات التحالف الرباعي حديثا - مع المسألة الدستورية في المحافل الإقليمية والدولية خارج البلاد فإن هناك بعدا آخر في عمل التنظيمات السياسية بحاجة إلى المناقشة.
ويتمثل هذا البعد في الدور الذي تضطلع به هذه التنظيمات تجاه السياسة الخارجية البحرينية ومواقفها المختلفة. وفي ضوء هذه المسألة يلاحظ أن هناك بونا شاسعا بين تعاطي هذه التنظيمات مع القضايا والشئون المحلية، ومحاولاتها المستمرة في التأثير على صوغ القرار الداخلي من جهة، وبين اهتمامها بالقضايا الإقليمية والدولية التي تهم المملكة من جهة أخرى.
قد تكون هذه المفارقة أمرا طبيعيا، ولكنها غير طبيعية البتة إذا أدركنا أن ثمة دورا مطلوبا من التنظيمات السياسية القيام به انطلاقا من مسئولياتها الوطنية ومن أهدافها الرامية إلى التأثير في عملية صناعة القرار. فمواقف الدبلوماسية البحرينية على مختلف الصعد لابد أن يكون للمواطن وقوى المجتمع دور فيها وموقف تجاهها.
وبالنظر إلى التعاطي السابق للجمعيات السياسية مع أبرز مواقف السياسة الخارجية البحرينية سنجد أن معظمها كان بعيدا عن الكثير من القضايا، ولم تكن لدى بعض التنظيمات مواقف واضحة من هذه القضايا. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى عدة أمثلة منها: مسألة الأزمة البحرينية - السعودية بشأن اتفاق التجارة الحرة، ومسألة الموقف من الأوضاع الجارية في العراق والوجود العسكري الأجنبي في الخليج وغيرها. ومثل هذا الإشكال تبين أن الجمعيات السياسية مازالت تنظر إلى القضايا الإقليمية والدولية من منظورها الفكري الخاص، وليس من منظور وطني قائم على إدراك الأبعاد والمسائل المرتبطة بالمصالح الوطنية. ولهذا نشاهد التباين الشاسع في مواقف تنظيمين بارزين - على سبيل المثال - أحدهما أعلن رفضه الصريح والمعلن لتغيير النظام في العراق واحتلال أراضيه، في حين بقي التنظيم الآخر ساكتا ولم يبد موقفا صريحا من تطورات الأوضاع في العراق منذ بداية الاحتلال، ما فسره البعض بأنه تأييد ضمني لهذا الاحتلال.
كما أنه من الملاحظ أن تفاعل الجمعيات السياسية مع مواقف السياسة الخارجية البحرينية عادة ما يأتي في شكل ردود فعل وليس مبادرات. وهو ما يكشف الحاجة إلى تفعيل دور هذه الجمعيات في القيام بسلسلة مبادرات من شأنها إثراء مواقف السياسة الخارجية ودعمها في الكثير من المواقف. وفي الوقت نفسه تقييم أبرز هذه المواقف وتحليل طبيعة السياسة الخارجية للبلاد بهدف تحديد كيفية التعامل معها.
ما يهمنا في النهاية هو ضرورة تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني برمتها وإبراز دورها في صناعة السياسة الخارجية البحرينية التي مازالت بحاجة إلى تطوير وتغيير بعد أن عانت عقودا طويلة من البيروقراطية والأساليب التقليدية في التعامل مع الشئون الإقليمية والدولية
العدد 905 - السبت 26 فبراير 2005م الموافق 17 محرم 1426هـ