العدد 905 - السبت 26 فبراير 2005م الموافق 17 محرم 1426هـ

العجب العجاب... لمن لم يعجبه العجب ولا الصوم في رجب!

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

"الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا" "النساء:34".

نحن لن نفعل ما فعل أحد العوام، إذ قام بـ "عض" زوجته عضا موجعا لأنه فهم "فعظوهن" على أنها عضوهن، كما انه ضربها ضربا مبرحا مستشهدا بالآية التي أوردناها في مطلع عجالتنا، والأمر ليس طرفة، بل هو حقيقة واقعة جاءت نتيجة سوء فهم في تأويل المفردات المقدس منها والعام. نقول إننا لن نفعل وذلك لعدة أسباب، أولا: لأننا نحب أن نرفع من قدر النساء إلى أكبر ما نستطيع لأنه من شيمنا نحن العرب ألا نمس النساء بسوء؛ ثانيا لأنه من فلسفة الديانات السماوية وقوانينها التي تزخر بها منطقتنا أن تحترم المرأة وأن تقدر حق قدرها. غير أننا سنحاورها بالعقل "وجادلهم بالتي هي أحسن" "النحل: 125" وهذه الدعوة التي جاءت في "القرآن" ليست موجهة فقط للرجال بل للنساء أيضا.

وإذ إني لن أبكي كما بكى وتباكى بعض الكتاب على ما جاء في حق "السيدالسيستاني" الرجل العظيم ذلك الذي هو ليس بحاجة إلى مثل هكذا بكاء ولا هو بحاجة إلى من يدافع عنه وهو العارف حق المعرفة قدره ومعزته في قلوب الناس جميعا مؤمنين بالدين الإسلامي أو غير مؤمنين به لما يتمتع به من "خلق عظيم" ودماثة متناهية ودراية عظيمة في أمور الدين.

كما اني لن أبكي كما تبكي النساء المفجوعات - مثالا - على من "خذل الأمة" وأطلع الغمة في زمن الطغمة وبات يأكل ما يدفع به الأميركان دفعا من شحم ولحم غير عابئ بما يأتي به هذا الشحم واللحم من سمنة وتخمة ومرض عضال بعدما حرمه الله من متع النهرين والشط، إذ استحم عبر شطآنها مرارا وتكرارا، وإذ ترفع النخيل رؤوسها وتشدو البلابل بأحلى مزاميرها وإذ التراب يحمل التاريخ في وجدانه وعمقه. لن أبكي كما تبكي النساء. قدر النساء البكاء وقدر الرجال الشقاء من بكاء النساء. سيكون ها هنا شقاؤنا حلو المذاق لأنه ينبع من الفكر تحديدا ويهدف إلى تكفيف دموعهن.

في دراسة حديثة نشرت نتائجها تفيد أن المرأة تمرن قلبها من النزاعات أي أنه تقويه وتجعله نابضا بالحياة، وإذا ما انعدمت النزعات في حياة المرأة تنعدم حياتها وتموت وتنتهي بلا ذكر أو شأن أكثر من تلك النسوة التي تسيطر النزعات على حياتهن بمقدار أربع مرات. وهذه النتائج توصل لها "أميركيون" تهاجمهم الكتابات شر هجوم. وبما اننا نريد أن يطيل الله في عمر كاتباتنا فإننا سندخل ها هنا في نزاع نهدف من ورائه إلى مد حياتهن وتقوية قلوبهن من دون عضلاتهن والتي كشف أنها ضعيفة وترتجف وهي لذلك ترفع المنصوب وتكسر المرفوع وتجزم كليهما.

يقول البعض عن المرأة - تحديدا كاتبتنا التي نتناول مقالا لها - إنها سليطة لسان وخصوصا منهن تلك اللواتي يمتهن الكتابة. كاتب كويتي مشهور في عمود له بعنوان "علامة تعجب" شرشح إحدى هؤلاء النسوة وأزاح الستار عن مفهوميتها الخاطئة ودلالات مفرداتها المشحونة بسراب الفكر بأن وصفها بالمرأة التي أضاعت طريقها وأسدلت الستار عن أهدافها. في صحيفة "الوسط" البحرينية انتقدها بعض الكتاب الرجال ووجهوا لها كلاما ليس فيه شيء من عسل. آخر في قناة تتلفز ما لا يتلفزه الآخرون رفع من شأنها وأثلج صدرها "يغرهن الثناء". وهو بهذا أطال من حجم لسانها وأحجب النور عن مداد قلمها وازدادت حلكته على قراطيس الكتابة وعلى صفحات النت.

إلى هنا ويكفي ماقدمنا ولنأت إلى فتح باب الأزمة وما قيل في متن التيه الذي أثار الغبار في وجه الصغار وأشهر كثير منهم أسلحته جميعا يدافع بها عن رمز ليس كمثله رمز في العراق وغير العراق معروف بهدوء سريرته وبساطة مسكنه وضيق الطريق الذي يؤدي إلى باب مسكنه وسعته - الطريق - التي تؤدي إلى رحابة فكره وشعلة شمعته وعظيم نورها المبثوث في سماء العراق الذي أثخنته الجروح جراء الفعل الملغم للقابع في غرفة يأكل فيها الشحم واللحم ويقرأ التاريخ ويكتب القصص كما يهوى ويتحدى الأميركان ويتوعدهم في حلم له هو بالله أشد كوميديا وأكثر تراجيديا من أحلام اليقظة والموهومين.

جاء في متن التيه "إن سرعة تواتر الحوادث" قد ولد "حال التداخل" وهو مطلب استراتيجي تنفيذي يهدف إلى "خلط" الأوراق؛ وهو لذلك جعل من بعض الكتاب ينتقل "من موقع لآخر بسرعة" للمسك بشرايين الحوادث ومفاصلها و"ربط كل خيوطه قبل غياب الصورة وتداخلها" من هنا ومن بداية الخيط الأول الذي جرى مع خيوط الشمس الأولى لذلك الصباح نعرف أن المقال لم يأت نتيجة رؤية حضارية بل أتى عجلا وقيل قديما "في العجلة الندامة".

بما أن "الوقائع أصبحت عنيدة" - هكذا أدخلنا إلى صلب التيه - والعناد نعرف مسبقا أنه لا يوصل إلى نتيجة، وإن "الكعكة العراقية" قد عملت فيها سكين أعياد الميلاد وسكاكين العباد إلى مواقع لم تصلها من قبل فإننا نقول كما قالت تلك الإعرابية العظيمة: "ما ضر الشاة سلخها بعد ذبحها"، ولكن علينا أن نستفيد مما ترك لنا من جسد منهوك القوى مهدور الدم ومفقوء العينين ومقطوع اللسان. ويبدو أن عملية الإثبات هذه الأيام تدور كما تدور الرحى على محورها فقد ثبت لدى ملك عربي هلال نحيف مخيف - ربما بنحافة السيستاني - وثبت لدى كاتبة مبتدئة "أن السيستاني كان له الدور الأكبر في تعزيز أقدام الاحتلال في العراق ومنع مقاومته، إضافة إلى شرعنته من خلال الانتخابات وما سيأتي بعدها من قضايا التقسيم وإضعاف العراق لتصبح لقمة سائغة لبعض الجيران" وهذا القول المنكر المتشح بهندام التتر هو ليس قولها وإنها استمدت شرعيته وصدقيته من "ما جاء على لسان وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد"، تسانده الوزيرة الجديدة القديمة "رايس" ممثلا "الشيطان الأكبر"، وهذا الاستمداد إنما هو نما عن مفهومية خاطئة استمدت شرعيتها من "ما أسبغا عليه من كلمات المديح والشكر والثناء على ما قدمه لهم من خدمات جليلة، ومنها ما قالته الوزيرة رايس "لولا دعوة السيستاني للعراقيين بالصبر"؛ لنسأل أنفسنا في البدء أليست هي كلمات القرآن الحكيم : "واستعينوا بالصبر" "البقرة: 45" "يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين" "البقرة: 153" "ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة" "البلد: 17" "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" "العصر: 3"، هي إذا ليست دعوة رامسفيلدية ولا هي دعوة رايسية بل هي دعوة خالصة يستمدها من شريعة هو في مقدمة المؤمنين بها. ثم لما هي تتناسى ودائما تتناسى أن الداعي لقوات الاحتلال ذلك هو ذاته الواقع في قبضة المحتل حين صمم على إنهاك الأمة وسحبها معه في مغامرة ليس كمثلها مغامرة، أليس هو المتحدي والداعي على لسان وزير إعلامه الناري حين قال "إننا سنلقن العلوج درسا"؟ أليس هو القائل "سنمزقهم شر تمزيق إذا ما هم دخلوا مدينة الرشيد"؟ أليس هو القائل: "تعالوا يا علوج فسنريكم، تعالوا إلى بغداد"؟ وبإمكاني أن أضيف المزيد غير أني أتوقف ها هنا لأترك للتاريخ فرصته في إظهار الحق وتبيانه.

يبدو أيضا أن "الله جل جلاله" يحمي أولياءه ومحبيه ويجنبهم السقوط في الحفر التي يحفرها لهم من لا يفهم القصدية من وراء العمل المخلص والوطني، فلذلك نرى أن الكاتبة ارتكبت خطأ كبيرا لغويا وتركيبيا حين وضعت المفردة "جنرال" بين هلالين - لا تذهبوا بعيدا في تفسير الهلالين - منزهة بذلك عن غير قصد "السيدالسيستاني" عما نوى قلمها توريطه به. فاللغة ارتقت ونأت بنفسها وتنكرت لقصد ومقصدية الكاتبة وأوقعتها في زلل لم تدر هي به ولم تسعفها اللغة حتى هنا في الولوج في نوازعها.

نقول هنا جميل جدا أن يحصل رجل كهل نحيف جليل لقب "جنرال" من امرأة تنقصها الخبرة وتنقصها الدراية بالأمور الخفية بعد أن حصل على لقب هو في قمة الألقاب الروحية من مؤسسة لها من التاريخ ما يمكنها أن تغرق أميركا ومن حذا حذوها بتاريخها ليس التاريخ الفكري فقط، بل أيضا بتاريخها النضالي الذي تعود بذوره إلى زمن لم يكن فيه لأميركا وجود. عودي فقط لفترة الاستعمار الإنجليزي عسى وعل تجدي ضالتك! ورتبة "جنرال" رتبة بربي عظيمة تطلق على رجل يخدم وطنه ويمنحها حياته في اتون المعارك وهي رتبة من دون شك تمنح لرجل لا يميز بين مواطن ومواطن تحت أية ظروف أو مسميات ولا يدفن نفسه في مكان مظلم. تمعنوا معي في حاملي الألقاب والمسميات اين وجدوهم وكيف هم يهربون.

جاء في الأثر عن علي بن أبي طالب أنه لا تسبوا النساء فإنه كان الرجل منا يعير إذا ما هو أقدم على ذلك. نرجو أن يكون حوارنا حضاريا مع من شد حزام الجهل حول خصره ورقص في الظلمة كي لا يرى من رداءة رقصه سوى جعجعة الطبول.

لا مشاحة في أن الكاتبة في مرحلة من مراحل العجب لم تعلم أو علمت ومن ثم أرادت أن تغفل العلم وتحجره بأن من أطلقت عليه "جنرالا أميركيا" يستطيع في لحظة من لحظات التاريخ أن يشير بإصبعه هكذا نحو مريديه ويستطيع أن يجمع من المال ما لم تستطع أميركا أو غيرها في جمعه في عام أو أزيد. إن هذا "الجنرال" يجلس على بساط تختفي تحته أموال ائتمنها عليها أفراد كثر ليوزعها على الفقراء والمساكين ويبني بها مدارس ومستشفيات ودورا للأيتام ومكتبات وجامعات أكثر من موازنة الكثير من الدول المتحضرة التي لا تفي بالضروريات لشعوبها.

إن غياب المعرفة التاريخية أو لنكن أكثر صدقا التاريخ عند من يخطون حروفهم في عجل يدخلهم هذا الغياب في متاهات التاريخ إذ لا قوة لديهم في الخروج منه فما يدرينا بأن الكاتبة علمت بأن الدولة العباسية وعلى مدى زمن ليس بالقصير خمسة قرون تقريبا كانت جنودها ورجالها وحراسها في مواجهة مع الحق ومع الشعب وكانت لهم السيطرة والغلبة ومن ثم فهم لم يستطيعوا قهر الشعب العراقي ولم يستطع في المقابل أيضا الغزاة الذين دخلوا بجيوشهم الجرارة ولا المرتزقة الانكشارية الموهومون بدمومة العضلات النيل من الشعب العراقي لكون العراق "ما ينخاف عليه"، لقد كانت تلك السنوات الخمسمئة دامية إذ جرى فيها من الدماء على الأرض ما يزيد على حجم مياه الفرات ودجلة وشط العرب. وضمن تلك السنوات ويا لها من سنوات مريرة هي أشد مرارة من سنوات الطفولة التي مر بها العراق في زمن "المعتقل" القصيرة. في تلك السنوات كان هناك من الجنرالات ما لا يتصوره عقل وهي من الدهاء الذي لا يملك منه جنرالات العصر الحديث شيئا يذكر.

ختاما نقول العجب العجب يا له من قلم "لا يعجبه العجب ولا الصوم في رجب"

كاتب كويتي مقيم في البحرين

العدد 905 - السبت 26 فبراير 2005م الموافق 17 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً