العدد 905 - السبت 26 فبراير 2005م الموافق 17 محرم 1426هـ

لبنان في المشهد الدولي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تشهد بيروت حركة سياسية ودبلوماسية من كل الجهات. فأمس الأول وصل الفريق الدولي المكلف بالتحقيق وتقصي الحقائق بشأن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، ويتوقع أن يرفع الفريق تقريره بعد شهر إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وغدا يعقد مجلس النواب جلسة خاصة تتداول وقائع الاغتيال، ويتوقع أن تتعرض حكومة الرئيس عمر كرامي لضغوط قد تدفعها للاستقالة.

إلى ذلك، هناك بيانات وتصريحات صدرت من جهات مختلفة ورؤساء دول وقادة في الاتحاد الأوروبي تدين جريمة الاغتيال، وتطالب السلطات بالتعاون وإبداء مرونة في هذا المجال. وهناك أيضا تلميحات صدرت من مواقع ومراجع دولية تحمل السلطتين اللبنانية والسورية المسئوليات المعنوية والسياسية وتتهمهما بالتقصير وغيرها من إشارات غامضة أثارت التباسات وعززت الشكوك.

حادث اغتيال الحريري فتح الأزمة اللبنانية على أبواب كثيرة ووضع الملف على نار مرتفعة. دوليا زاد الحادث من عناصر الضغوط الخارجية من خلال التركيز على المطالبة بلجنة تحقيق محايدة دولية لمعرفة الجهة الفاعلة أو المستفيدة من الجريمة. وإقليميا أعطى الحادث المزيد من الذرائع للضغط الدولي على سورية ووجودها العسكري في لبنان والدفع باتجاه تطبيق فوري وعاجل للقرار .1559 ومحليا زاد الحادث من الاستقطاب الداخلي ودفع الأطراف إلى الاصطفاف السياسي في إطار مواقع امتهنت التراشق بالاتهامات المتبادلة.

الاغتيال إذا كشف الأزمة اللبنانية وفتح أبوابها على الخارج ورفع من نسبة عناصر التدويل وسرع الكثير من الخطوات التي كانت دول مجلس الأمن تتداولها من وراء الستار. كذلك فتح الحادث الأزمة على أبواب محلية كانت مغلقة من خلال رفع نسبة التوتر السياسي ودفع الأقطاب نحو مزيد من التطرف وأحيانا الوضوح في تعيين مصادر الأزمة.

لبنان اليوم على مفترق طرق بين عجزه عن احتواء تداعيات دولية أكبر من حجمه وقدراته الذاتية غير كافية للتحكم بها وبين تردد حكومته وعدم استعدادها لتقديم تنازلات تضبط إيقاع الأزمة في دائرتها الاقليمية. فهذا العجز والتردد لا تقوى الدولة على الخروج منهما من دون معونة سورية تتعامل مع المتغيرات بحكمة وواقعية.

في كل الحالات هناك خسائر لبنانية وسورية من تداعيات اغتيال الحريري. إلا أن تحديد نسبة الخسائر إلى الأعلى أو الأدنى ترجع من دون شك إلى المراجع العليا التي تدير الأزمة وتدرك الأبعاد المنتظرة أو غير المتوقعة من احتمال استغلال القوى الكبرى والمراكز النافذة للموضوع. فالمسألة تتوقف كثيرا على مدى إدراك القوى الفاعلة والرسمية للنتائج المترتبة على سلبيات هذا الحادث. الخسارة حصلت وبقي على الجهات المعنية بالأمر أن تحدد نسبتها ومداها.

الفارق في النسبة بين هذا الموقف أو ذاك ليست بسيطة، إذ تتراوح بين إعادة ترتيب أوراق الملف اللبناني بصياغة سياسية جديدة أو بين خلط الأوراق ودفع عناصر التأزم إلى مزيد من التفجر، وبالتالي استدراج المزيد من الضغوط الجديدة قد تلجأ الولايات المتحدة إلى ممارستها بالتعاون مع فرنسا.

إعادة ترتيب الأوراق وصوغها بروحية سياسية متقدمة هو الخيار الأفضل والأكثر واقعية من الاستمرار في الذهاب بعيدا نحو سياسة خلط الأوراق. فالأوراق إذا استمرت في الاختلاط والتبعثر فمعنى ذلك أن الحكومة مصممة على استدراج المزيد من الضغوط الدولية وتعطي الذرائع لتوريط القوى الاقليمية وجرها إلى مواجهات محدودة تتخذ من لبنان مسرحا لتبرير الأهداف السياسية الكبرى التي تتجاوز حدود البلد الصغير. فالقرار 1559 على عكس ما يراه البعض فهو لم يفك ارتباط لبنان بالمنطقة أو يعزل المسارين السوري واللبناني عن بعضهما، بل هو في جوهره أعاد ربط الأزمة بمشروع أكبر تطلق عليه واشنطن "الشرق الأوسط الكبير".

المسألة لا تحتمل الكثير من التفكير والقرار الدولي المتعلق بالشأن اللبناني هو أكبر من حجم البلد وهو أصلا مشروع فتنة سياسية كبيرة، ولهذا تحتاج المسألة الآن إلى قراءة نقدية جديدة للعلاقات اللبنانية - السورية للحد من الضغوط الدولية. وهذا يتطلب في أبسط الحالات اتخاذ خطوات مدروسة تتجه ليس بالضرورة نحو فك ارتباط لبنان بسورية، وإنما الاسراع في إعادة تنظيم الارتباط وترتيب أوراق المصالح حتى تسحب الذرائع من أدوات الضغط الدولية.

تشهد بيروت هذه الأيام حركة سياسية ودبلوماسية وهذا يتطلب المزيد من الانتباه وتأسيس رؤية نقدية تتعامل بواقعية مع المتغيرات الاقليمية والتحالفات الدولية الجديدة وما أسفرت عنه تداعيات الصدمة التي ولدتها جريمة الاغتيال

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 905 - السبت 26 فبراير 2005م الموافق 17 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً