بالاضافة الى الأرقام البراقة التي ساقها معدو أوراق المناقشة في ورشة الاصلاح الاقتصادي لما سيكون عليه وضع الاقتصاد اذا ما طبقت المقترحات التي تطرح مع كل جزء من أجزاء "ثلاثية الاصلاح"، كانت نتائج الاستبيان الذي أعده مجلس التنمية الاقتصادية بالتعاون مع غرفة تجارة البحرين هي الأكثر جذبا لأنها المرة الأولى التي يقاس فيها الفساد بعناصر معروفة تناولها الاستبيان المعد لهذا الغرض.
والمعروف أن الفساد المستشري وسير المفسدين ظلا دائما موضوعا حبيس المجالس الخاصة بعيدا عن الأضواء وبعيدا عن الدراسات والقياس برغم أنه بند مطروح على أجندة الاصلاحيين منذ بدايات عهد الاصلاح قبل عدة سنوات.
وتدل نتائج الاستبيان الذي عرضت نتائجه في ورشة الخميس الماضي على أن الفساد لايزال موجودا وعائقا برغم التوجيهات المتوالية للقضاء عليه ومن الأرقام التي تدل على ذلك أن 40 في المئة من أفراد المسح قالوا إن شركاتهم تضطر للتورط في الرشا لتسيير معاملاتها، وخلص معدو الاستبيان مستندين الى أن المقارنات الدولية والمقابلات الشخصية والنتائج بأن البيروقراطية والنفوذ الشخصي والفساد هو مصدر قلق، وبحسب تصنيف المنتدى الاقتصادي العالمي فان البحرين جاءت في المرتبة 81 في تصنيف قياس عائق البيروقراطية وتقارن بالأردن في المرتبة 64 وبالامارات العربية المتحدة في المرتبة 66 وبفنلندة في المرتبة الأولى.
أما فيما يتعلق بالمحسوبية فان البحرين جاءت في المرتبة 35 مقارنة بالنرويج الأولى وبالامارات العربية المتحدة في المرتبة 17 والاردن في المرتبة 22 وغامبيا في المرتبة .32
وبحسب عدد من رجال الأعمال فان العلاقات الشخصية تعتبر عنصرا أساسيا في تسريع المعلاملات الحكومية فيما قال البعض إن المعاملات لا تتحرك الا بتقديم الرشا ولم يتمالك أحد رجال الأعمال من القول في احدى لقطات الفيديو أمام جمهور الورشة "ان معاملاتنا تتعطل بسبب عدم الكفاءة ومعاملة أسبوع تتعطل عدة شهور" ويسترسل قائلا إن هذا مع دفع "البقشيش" أي الرشوة.
أحد كبار المستثمرين قال أيضا على هامش الندوة إن كثيرا من المناقصات لا يمكن أن تتم بدون "البقشيش" وأن الشركات باتت تحتسب هذا "البقشيش" جزءا من كلفة المشروعات التي تتقدم لتنفيذها، وزاد أن هناك مسئولين معروفين، ومعرفة نسبة "البقشيش" الذي يستلمونه عن كل صفقة ويرفضون تسلم "البقشيش" الا في صورته النقدية، مشيرا إلى أن ذلك أصبح عرفا ليس بالامكان تغييره وربما ليس مستحبا تغييره لمصلحة الطرفين خصوصا بعد أن أصبح "الراشون" يحتسبونه ضمن كلفتهم التي تمرر بالتالي لتتحملها الدولة. إن المعلومات عن الفساد التي وردت في أعمال الورشة ليست جديدة ولكن الجديد في الأمر هو إخضاعها للقياس والتصنيف بين عدد من المعايير التي حددت للتعرف على دراسة معوقات المناخ الاستثماري، كذلك جديد فيها اتاحتها لفئات المشاركين في الورشة من رجال أعمال ومسئولين وباحثين وممثلين لمؤسسات المجتمع المدني وممثلي الاعلام وذلك في حضور راعي الاصلاح الاقتصادي ولي العهد سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة.
فالأرقام والتصريحات التي عرت معوقات الفساد في ورشة الخميس أثبتت بأن الحديث عن الفساد ليس مجرد مشاكسات صحافية أو أنه "عذر العاجز" يبديه القطاع الخاص لكلي لايلام عن عدم مساهمته بفعالية في دفع عجلة الاستثمار.
إن الفساد هو واقع مرير، ومكلف أيضا فبحسب نظرية التأثر المضاعف أن كل دينار يستثمر في الاقتصاد يتضاعف أربع مرات وربما هذا ما دفع البعض الى الايمان أن كل دينار ينفق في الفساد يكلف الاقتصاد أربعة اضعاف.
أمام المصلحين تحديات كثيرة، والحديث بالصراحة والوضوح عن الفساد كان أولها ويبقى الأمل في تعريف المفسدين - وهم مع عظم تأثيراتهم السلبية ليسوا سوى قلة متنفذة - ومواجهتهم بشجاعة وحزم وعدل بما يتناسب مع العبء الكبير الذي سيلقى على شعب بأكمله أعلن استعداده لتحمل كلفة الاصلاح الباهضة
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 905 - السبت 26 فبراير 2005م الموافق 17 محرم 1426هـ