خسر الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب في الانتخابات الرئاسية للعام 1992 أمام منافسه بيل كلينتون بسبب تركيزه على السياسة الخارجية على حساب الأوضاع الاقتصادية داخل البلاد. كان مستشارو بوش يعتقدون أن الناخبين سيمنحون مرشحهم فرصة الفوز لولاية ثانية من أربع سنوات نظرا إلى النجاح الذي حققه على صعيد السياسة الخارجية من قبيل تحرير دولة الكويت وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق. بيد أن بوش الأب مني بخسارة كبيرة في الانتخابات. أما الرسالة التي وجهها الناخبون فتمثلت في أن ما يهم المواطن هو الوضع الاقتصادي الداخلي للولايات المتحدة مثل الدخل والضرائب والضمان الاجتماعي وليس السياسة الخارجية. وعليه انتشرت العبارة "انه الاقتصاد يا..." والتكملة كلمة بذيئة لكن يحق للقارئ أن يختار الكلمة التي تعجبه. في المقابل انتبه جورج بوش الابن لهذه الظاهرة إذ لم ينجح خصمه جون كيري في استخدام ورقة الخسائر التي تتعرض لها القوات الأميركية المحتلة في العراق. ويعود ذلك إلى سجل الوضع الاقتصادي الجيد في أميركا قبل الانتخابات من قبيل تدني معدلات الفوائد إلى أدنى مستوياتها التاريخية وانخفاض قيمة الدولار ما يعني ارتفاع حجم الصادرات الأمر الذي يعني زيادة في فرص العمل فضلا عن وعود بعدم فرض ضرائب إضافية.
ويعود سبب ذكر هذه المقدمة إلى رغبتنا في مناقشة بعض نتائج ندوة الإصلاح الاقتصادي التي عقدت في تاريخ 24 فبراير/ شباط برعاية سمو ولي العهد. فقد جاء في نتائج استبانة مجلس التنمية الاقتصادية بالتعاون مع غرفة تجارة وصناعة البحرين أن هناك الكثير من المعوقات التي بدورها تحول دون جلب الاستثمارات إلى البحرين الأمر الذي يؤثر سلبا على مستويات النمو الاقتصادي.
فقد أظهرت نتائج المسح الميداني وجود مجموعة من العوائق أمام الاستثمار تقف في طليعتها صعوبة الحصول على التمويل، في المقابل تم طرح فكرة زيادة رأس مال بنك البحرين للتنمية "ويلاحظ أننا كنا أشرنا في مقال تفصيلي في الأسبوع الماضي إلى تفضيل المصارف التجارية العاملة في البحرين منح قروض للتمويل الاستهلاكي، فقد تم منح 1,015 مليون دينار للقروض الشخصية مقابل 298 مليون دينار لأغراض الصناعة وتعود هذه الأرقام إلى نهاية العام 2004".
ويتمثل العائق الثاني في عدم وجود بنية تحتية مكتملة. وخير دليل على ذلك وجود نقص في الكهرباء الأمر الذي يسبب خسائر للمستثمرين والمؤكد أن الجميع يتذكر يوم الاثنين الأسود في فصل الصيف. ويكمن العائق الثالث في المعاملات الرسمية إذ تبين من نتائج المسح تفشي ظاهرة دفع الرشا وبات ما يهم هو أن المستثمر يعرف من وليس ما ينوي القيام به. أما العائق الرابع فمصدره صعوبة الحصول على قطعة أرض في البلاد لأغراض الصناعة، على سبيل المثال بسبب عدم وجود مخطط عمراني شامل للبلاد. حقيقة انتابت الحضور صدمة بعد الكشف عن توافر تخطيط منظم لـ 11 في المئة فقط من أراضي مملكة البحرين. يذكر أن مساحة البحرين تبلغ 718 كيلومترا مربعا مقارنة بـ 650 كيلومترا مربعا لسنغافورة لكن شتان بين مستوى العمران في البلدين. ويكمن العائق الخامس في عدم كفاية القوانين والنظم الأمر الذي يفسح المجال أمام المحسوبيات والاستثناءات في المعاملات الحكومية إذ يترك الأمر في بعض الأحيان لتفسيرات العاملين في المؤسسات الرسمية. وأخيرا وليس آخرا هناك مشكلة النظام القضائي، مثل تأجيل الجلسات فضلا عن البطء في تنفيذ الأحكام الصادرة. باختصار كشفت نتائج المسح الميداني وجود "عورات" يجب سترها.
وبمقدورنا الاستشهاد بإحصاءات حجم تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمعرفة ما آل إليه وضعنا الاقتصادي. فبحسب تقرير الاستثمار العالمي المنبثق عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" ارتفع حجم تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البحرين من 217 مليون دولار في العام 2002 إلى 517 مليون دولار في العام .2003 ويمثل هذا الارتفاع زيادة قدرها 138 في المئة في سنة واحدة الأمر الذي يشكل إنجازا. لكن تتغير الصورة بملاحظة أن حجم تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الخارج ارتفع من 190 مليون دولار في العام 2002 إلى 741 مليون دولار في العام .2003 ويمثل هذا الارتفاع زيادة قدرها 290 في المئة في غضون سنة واحدة. وبالتالي كان هناك صاف سلبي للاستثمارات الأجنبية المباشرة في العام .2003
يبقى أن ما يبعث على الاطمئنان هو أن صاحب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة جعل من الإصلاح الاقتصادي همه الأول، فطموحاته الاقتصادية كبيرة كما قال في كلمته في افتتاح الندوة ويرغب في إعادة نيل البحرين الموقع القيادي في المنطقة. المؤكد أن ما يتفق عليه الجميع في مملكتنا هو ضرورة توافر وضع اقتصادي صحي سواء للتاجر أو المواطن العادي. أملنا كبير في أن يقود سمو ولي العهد سفينتنا الاقتصادية إلى شاطئ البر والأمان بعد سنوات عجاف طال أمدها
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 904 - الجمعة 25 فبراير 2005م الموافق 16 محرم 1426هـ