العدد 903 - الخميس 24 فبراير 2005م الموافق 15 محرم 1426هـ

الإمام الحسين "ع" وسياسة اللاعنف

"في رسول الله "ص" تجد تفسيرا للحق. وفي علي "ع" تجد تفسيرا لرسول الله. وفي فاطمة "ع" تجد تفسيرا لعلي. وفي الحسن "ع" تجد تفسيرا لفاطمة. وفي الحسين "ع" تجد تفسيرا للحسن. ولفاطمة ولعلي، ولرسول الله، وللحق جميعا".

السيد هادي المدرسي

يلخص لنا الإمام الحسين "ع" الهدف من نهضته المقدسة بقوله الشريف في وصيته التي كتبها بيده لأخيه محمد بن الحنفية، إذ يقول: "واني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي "ص" أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب "ع" فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين".

وهو القائل: "إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني"؛ فحري بنا أن نجعل من نهضة الحسين "ع" محطة انطلاق وعروج ينبغي أن نتمحور حولها لنستضيء بقبس من معطياتها الكثيرة.

في هذه الوقفة سأتحدث بشيء يسير فيما يرتبط بجانب التسامح واللاعنف من خلال إطلالة قصيرة على سيرة الإمام الحسين "ع"، وكما يقول الإمام السيد محمد الشيرازي "رحمه الله": "من المؤسف حقا أن كثيرا من المسلمين - وحتى في هذه العصور المتطورة نسبيا - لا يطالعون تاريخ أئمة أهل البيت "ع" الأمر الذي جعلهم يتخبطون في مغالطات كثيرة. ولعل خير شاهد على ذلك هو أن كثيرا من المسلمين اليوم يجهلون أهمية قانون اللاعنف الذي نص عليه رسول الله "ص" والأئمة الأطهار "ع" وجاهدوا من أجل تحقيقه ليل نهار".

فالإمام الحسين "ع"، لم يكن يبحث عن الحرب، وهو القائل: "إني أكره أن أبدأهم بقتال"، وهو الذي بكى على أعدائه لأنهم سيدخلون النار بسبب قتله، فخروجه ما كان إلا من أجل السلام، لذلك نجده قد استخدم مع أعدائه سلاح اللاعنف، لذلك مال عدد منهم نحو معسكره. وعندما خاطب "ع" ضمائرهم بقوله: "إذا كرهتموني فدعوني انصرف عنكم إلى مأمن الأرض". وجدناهم قد أبوا إلا قتله وسحقه بحوافر الخيل!! وما كان لهم ذلك وإنما سحقوا هم، وبقي الحسين صرخة حق وسلام يترنم بها كل باحث عن القيم والفضائل؛ بعد أن قتل "ع" - جسدا - في معركته من أجل السلام والأمن والأمان.

نعم، فخروج الحسين "ع" كان بهدف الإصلاح، بهدف السلام، إذ لم يبدأ القوم بقتال قط، كجده "ص" الذي كانت حروبه كلها حروبا دفاعية، وأبيه علي بن أبي طالب "ع"، وأخيه الحسن "ع"، وكأني به يردد قول الحق سبحانه وتعالى: "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين، لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين" "المائدة: 28". فالحرب لم تبدأ في كربلاء إلا بعد أن قام عمر بن سعد برمي سهمه نحو خيام الحسين "ع" وهو يردد كلمته المشئومة: "اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمى". وبعد سهمه "الغادر" انهالت السهام على حرم رسول الله "ص".

إذا، فالحسين "ع" داعية سلام، لا داعية حرب، وسلامه لم يكن كسلام "شارون" أو "كيسنجر" ذلك اليهودي القائل: "لا سلام دائم ولا حروب دائمة، ولكن مصالح دائمة"، فهذا منطق الذي ركنوا إلى الأرض لا منطق الذي تطلعوا نحو السماء، لذلك نجد أن "الذين قتلوا في كربلاء بقوا، أما الذين فروا من القتل معهم فقد ماتوا".

دروس من سيرة الحسين "ع"

الدرس الأول: الحسين "ع" مع أعدائه:

عندما خرج الإمام الحسين "ع" من الكوفة اعترضه الحر بن يزيد الرياحي مع رجاله البالغ عددهم نحو ألف فارس فجعجع به وبعياله ومنعهم عن مواصلة الطريق. آنذاك وفي منتصف الظهيرة أخذ الظمأ والحر من جيشه مأخذا عظيما، فقال الإمام الحسين "ع" لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشفوا الخيل ترشيفا... وهكذا كان الإمام "ع" في عاشوراء، إذ لم يبدأهم بالحرب، وإنما القوم بدأوه بالحرب والقتال حتى قتلوا جميع أهل بيته وأحبابه حتى الطفل الرضيع.

الدرس الثاني: الحسين "ع" مع من خالف رأيه:

"روي أن رجلا صار إلى الحسين "ع" فقال: جئتك أستشيرك في تزويجي فلانة، فقال "ع": لا أحب ذلك لك. وكانت كثيرة المال وكان الرجل أيضا مكثرا. فخالف الحسين"ع" فتزوج بها. فلم يلبث الرجل حتى افتقر، فقال له الحسين "ع": قد أشرت إليك، فخل سبيلها، فإن الله يعوضك خيرا منها، ثم قال "ع": وعليك بفلانة. فتزوجها، فما مضت سنة حتى كثر ماله، وولدت له ولدا ذكرا، ورأى منها ما أحب".

عند التأمل في هذه الحادثة نجد أن الإمام الحسين "ع" استخدم أسلوب التسامح مع من خالف مشورته، ولو كان أحد منا في مثل هذا الموقف لربما رفض تقديم النصيحة لمن لم يعمل بنصيحته الأولى، وربما عيره بأن هذا جزاء من لا يستمع للمشورة، ولكن الحسين "ع" نموذج مختلف، تمثل شخصيته ومواقفه الكمال الإنساني، هذا أولا، وثانيا: يعلمنا الحسين "ع" أن نتسامح مع من يختلف معنا في الرأي والعمل، وفي حال مقدرتنا على نصحه ألا نقصر في ذلك.

الدرس الثالث: الحسين "ع" مع من يعتذر إليه:

يقول الإمام الحسين "ع": "لو شتمني رجل في هذه الأذن -وأومأ إلى اليمنى - واعتذر في اليسرى، لقبلت ذلك منه، وذلك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "ع" حدثني أنه سمع جدي رسول الله "ص" يقول: لا يرد الحوض من لم يقبل العذر من محق أو مبطل".

نعم قد نحفظ هذه الكلمة، وغيرها من المقولات العظيمة الواردة عن أئمة البيت "ع"، لكن أين نحن عن التأسي والاقتداء؟

فماذا سيفعل الواحد منا لو تعرض لشتيمة شاتم؟ فلنسأل أنفسنا بصدق هذا السؤال، لنتعرف مدى تمسكنا بتعاليم أهل بيت العصمة "صلوات الله عليهم أجمعين"، فمعرفتنا لمواقفهم الشريفة، وحفظنا لكلماتهم العظيمة، لن تغنيانا شيئا إن نحن عملنا ما يخالفها.

الدرس الرابع: الحسين "ع" مع الجناة:

"روي أن غلاما للإمام الحسين"ع" جنى جناية كانت توجب العقاب، فأمر بتأديبه فانبرى العبد قائلا: يا مولاي، والكاظمين الغيظ، فقال "ع": خلوا عنه، فقال: يا مولاي، والعافين عن الناس، فقال "ع": قد عفوت عنك، قال يا مولاي، والله يحب المحسنين، فقال "ع": أنت حر لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطيك".

ألا نجد في هذا السلوك الحسيني تفسيرا عمليا لقوله تعالى: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" "آل عمران: 134".

وقبل الختام أقول: ألم يتعلم "غاندي" من الحسين "ع" درس اللاعنف؟ إي وربي، لقد تعلم ذلك من الحسين "ع"، وهو القائل: "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر"، فما بالنا نحن لا نتعلم هذا الدرس من الحسين "ع"؟ ألسنا بحاجة ونحن نعيش في هذا العصر العنيف المليء بالرعب إلى قراءة سيرة الإمام الحسين "ع"؟ ألسنا بحاجة إلى الأخذ بمنهجه الشريف الذي هو امتداد لمنهج وسيرة الحبيب المصطفى "ص"؟ أو لم يقل الرسول الأكرم "ص": "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا".

وختاما أردد مع العلامة المدرسي مقولته الرائعة، إذ يقول: "الحسين ينتمي للمستقبل، فالعالم سيظل يحتاج إليه دائما وأبدا، وحتى في الجنة هو سيد شبابها وأميرهم".

حسن آل حمادة

العدد 903 - الخميس 24 فبراير 2005م الموافق 15 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً