حذر المرجع الديني، السيدمحمد حسين فضل الله، من أن الشراكة الأميركية الأوروبية من خلال الحلف الأطلسي تستهدف الإرهاب شكلا والإسلام مضمونا مع ما يستتبع ذلك من الموافقة الأوروبية على ما تقوم به أميركا في المنطقة.
وأشار إلى أن إدخال الحلف الأطلسي تحت عنوان "الشرق أوسطية" إلى المنطقة هو تكييف للواقع مع ما حققه المشروع الأميركي في أعقاب احتلال العراق.
وسأل: إذا كانوا يتحدثون عن تدعيم العلاقة بين صفتي الأطلسي فلماذا لا نعمل لتدعيم العلاقة بين ضفتي الأمة وخصوصا بين السنة والشيعة؟
ودعا فضل الله إلى التوحد في الواقع العربي والإسلامي لكي نشيد عالمنا لننتج الحضارة من جديد، مؤكدا أن من يعمل للانقسامات المذهبية والتمزق يخون أمته ووطنه.
سأل في ندوته الأسبوعية عن مسألة الهوية والانتماء عما إذا كانت عائقا أمام الوحدة في ظل اقتراب دول العالم من بعضها بعضا على أساس اقتصادي وسياسي؟ وقال في إجابته: لاتزال الهوية القومية أو الدينية تشكل واحدة من المشكلات التي تعيشها المنطقة بفعل الجهل الذي فرض نفسه على الموقع العربي والإسلامي في مسألة الاختلاف، وذلك إضافة إلى الأسباب الأخرى التي انطلقت من خلال سعي محاور الاستكبار العالمي لتعميق الاهتمام في مسألة الانتماء النسي أو القومي وحتى الديني علي حساب القيمة التي قد تتمثل في هذا الانتماء أو ذاك، وتركيزه على الفوارق المجتمعية في هذا الواقع لحساب سياسته وأطماعه ومصالحه. وعلى رغم أن الإسلام اعترف بخصوصيات الشعوب فإنه سعى إلى تغليب القيمة على النسب، وعمل لدمج الشعوب في حركة الوعي العام لما فيه مصالحها وخيرها في الدنيا والآخرة، التفاضل خاضع للعطاء وعلى مستوى ما تبذله النفس في مسيرة الخير في الحياة بعيدا عن جعل مسألة أصالة النسب على أساس أن الأصالة تكمن في الأداء وأنه إذا كان النسب ينطلق من أصالة الانتماء فإن الذي يؤكد هذه الأصالة هو العمل في خط التقوى.
وتابع: ومع كل الجهد الجهيد الذي بذله المسلمون منذ أن انطلقت الدعوة مع رسول الله "ص" وامتدت من خلال المسيرة الإسلامية المتواصلة من خلال تركيزها على الخلافات التاريخية، وأخرى من خلال استغلالها للجهل ولـ "عمى الألوان" في مسألة الاختلاف السياسي، إذ فشلت الكثير من التجارب السياسية والحركية في واقعنا من خلال الفشل في إدارة الاختلاف السياسي على قاعدة من الحوار والجدل بالتي هي أحسن.
وقال: وفي المقابل، فإننا في الوقت الذي نلاحظ وجود مساحة كبرى من الاختلاف بين المحاور الدولية المختلفة والمتناقضة عقيديا وسياسيا واقتصاديا، نرى بأن هذه المحاور وعلى رغم اتساع الهوة فيما بينها تسعى لرأب الصدع ووضع خطة للقاء، كما تعمل بشكل دائب لإذابة جليد الاختلافات فيما بينها، في الوقت نفسه الذي اثار الخلافات في ساحة الأمة العربية والإسلامية على المستوى العرقي والديني بشكل ضاغط، وإلى المستوى الذي تستعاد فيه الخلافات القديمة بحيثياتها ومعطياتها التي سبق لعلماء المسلمين وقادتهم أن بحثوها وقرروها وحددوا الموقف منها، وكأن المطلوب هو مزيد من الإثارة في مسألة الانتماء لحساب مزيد من التقاتل والاختلاف بحيث نصل إلى المستوى الذي يصبح فيه ردم الهوة أمرا صعبا مستصعبا أو يقرب من الاستحالة لكثرة ما يحشد هذا أو ذاك من عناصر التخلف في مسألة الاختلاف.
وأضاف: إننا نشهد في هذه الايام حركة أميركية أوروبية لإعادة الدفء إلى العلاقات بين الجانبين بعد كل ما حصل من تباعد بفعل الحرب على العراق وغيرها، ونجد أن هؤلاء توصلوا إلى قناعة ثابتة لديهم بأن من الممكن حصر مشكلاتهم على تنوعها وضخامتها، بينما نظل نحن في المنطقة التي هي محل تجاذب العالم، التي تمثل نقطة الارتكاز في التطلعات الدولية للسيطرة على ثرواتها وقراراتها، نثير المشكلات فيما بيننا ونسأل في هذا الموقع أو ذاك: كم يربح السنة هنا وكم يربح الشيعة هناك؟ وكيف يحصل العجم على ما لم يحصل عليه العرب هنالك؟ مع أن الذي يربح في نهاية المطاف هو أميركا، أو تربح أوروبا بعض ما خسرته في السابق انطلاقا من الصفقات السياسية والاقتصادية المتجددة مع أميركا.
وأردف: إننا نحذر من الشراكة الأميركية الأوروبية التي يتركز العمل لإيحائها في هذه الأيام من خلال الحلف الأطلسي على أساس تسليط الأضواء على عدو واحد يسمونه الإرهاب شكلا ويقصدون به الإسلام مضمونا مع كل ما قد يستتبع ذلك من موافقة أوروبية محتملة حيال ما تقوم به أميركا في المنطقة، من إدخال الحلف الاطلسي إلى المنطقة تحت عنوان الشرق أوسطية التي يراد لها أن تتكيف مع ما حققه المشروع الاميركي في المنطقة في أعقاب احتلال العراق ومع إعادة انتخاب بوش، وكذلك مع السعي المتواصل لتلميع صورة شارون وتقديمه كرجل سلام في المنطقة من خلال تسويق صورته عالميا...
وخلص إلى القول: ولكن المسألة ليست فيما يخطط له الآخرون، بل ما نتحرك به نحن... إنهم يتحدثون عن تدعيم العلاقة بين صفتي الأطلسي، فلماذا لا نعمل لتدعيم العلاقة بين ضفتي الأمة وخصوصا بين السنة والشيعة، وإنهم يحدثونك عن "المعجزة السياسية" التي تحققت في وحدة دول الاتحاد الأوروبي على المستوى الاقتصادي، كما يتحدثون عن "الولايات المتحدة الأوروبية" القادمة... فلماذا لا نفكر كشعوب عربية وإسلامية بوحدة بلداننا ونسعى لها على المستوى الاقتصادي وغيره كمقدمة لوحدة سياسية كبرى في العالم، مع أن ذلك ليس بمعجزة، لأننا كنا كذلك، ولأن ما نحتاج إليه هو الخطة الواعية وتركيز خطوات الوحدة الإسلامية والوطنية في واقعنا والسعي للتفلت من السقف الذي رسمه الاستكبار حيال هذه الأنظمة، لا أن نستحضر انقساماتنا المذهبية والسياسية عند كل حدث أو عند كل انعطافة سياسية.
وختم: إننا وفي هذه الأيام بالذات أحوج ما نكون للوحدة لكي نشيد عالمنا، عالم القيم والأخلاق والعلم، وعالم السماحة والحضارة والسمو بعدما شيدوا عالمهم، عالم التكنولوجيا التي يصاحبها التدمير الأخلاقي وزراعة القلق في طول البسيطة وعرضها... لقد عملوا ويعملون لعالمهم الذي يزيد البشرية فقرا ويوسع من دائرة الحرب والإرهاب، فلماذا لا نعمل لتشييد عالم ينتج الحضارة من جديد كما انتجتها اجيالنا من قبل، فكانت أما للحضارات الحديثة... إن الأجيال تستصرخنا كي نعمل للوحدة، لأن من يعمل للتمزق يخون أمته ووطنه كما يخون الأمانة ورسالة السماء
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 903 - الخميس 24 فبراير 2005م الموافق 15 محرم 1426هـ