العدد 902 - الأربعاء 23 فبراير 2005م الموافق 14 محرم 1426هـ

دراسة سوق العمل... الآفاق وضرورات الفعل

عبدالنبي سلمان comments [at] alwasatnews.com

بداية لابد لنا من الحديث بشفافية وصراحة عن دراسة إصلاح سوق العمل في البحرين التي أعدتها شركة "ماكينزي" المعروفة في مجالات إصلاحات أسواق العمل والهيكلية الاقتصادية وسياسات التدريب والموارد البشرية، نظرا لما تمثله هذه الدراسة من تحول نوعي وكبير في كيفية التعاطي مع قضايانا الكبرى التي من بينها إصلاحات سوق العمل والوضع الاقتصادي برمته. فدراسة إصلاح سوق العمل التي طرحت للناقشات الموسعة منذ 23 من سبتمبر/أيلول الماضي التي سبقتها وأعقبتها ورش عمل موسعة شارك فيها الكثير من المختصين وصانعي القرار على مستوى المملكة، هي في حد ذاتها تعتبر مؤشرا على جدية توجهات الإصلاح التي علينا أن ندفع بكل طاقتنا لإنجاحها باعتبارها خيارا وحيدا أمامنا للنهوض بهذا الوطن بعد سلسلة من التراجعات المخيفة على مختلف المسارات وعلى مدى سنوات طويلة لم نجن منها سوى الألم والضياع وأصبح لزاما علينا جميعا أن نطور من كيفية ونوعية تعاطينا مع شأننا الداخلي بكل تفرعاته بروح تختلف منهجية تتعالى فوق الجروح وتعرف كيف ترسم للمستقبل وتخطط له.

من هنا كان لافتا خلال النقاشات الكثيرة لدراسة سوق العمل أن نرى كوكبة من رجال البحرين ومفكريها ورجال أعمالها وعمالها واقتصادييها وساستها وأصحاب القرار فيها يتشاركون في نقاشات لا تنقطع للخروج برؤى وتصورات ترفد الدراسة الأصلية التي كانت موضع نقاش مستفيض وعلى أكثر من مستوى وفي أكثر من موضع ومازالت حتى هذه اللحظة التي كانت تحظى بدعم مستمر من قبل الأب الروحي لدراسة سوق العمل والهيكلية الاقتصادية سمو ولي العهد الذي كان طرفا فاعلا في الكثير من النقاشات مع مختلف الأطراف، إذ كان الخوف على مستقبل هذا الوطن ومستقبل أبنائه هو المحرك الرئيسي الذي استدعى أن تطرح كل تلك الرؤى والأفكار بشفافية لمسناها وبصدق من قبل الجميع، ولاحظ جميع المشاركون أن الدراسة موضوع البحث لا تدعي لنفسها الحقيقة الكاملة وإنما اكتفت بطرح الأرقام والحقائق والتصورات واستلهمت تجارب الآخرين لتسقطها بعناية ودراسة على واقع سوق العمل لدينا الذي لا يختلف اثنان على تشوهاته المزمنة التي بقيت عقودا مسكوتا عنها إذ فضل الجميع تقريبا أن يبقيها محورا للنقاش في الغرف المغلقة وفي أروقة السياسة، إذ فضل بعض رجال أعمالنا تبعا لذلك السكوت طويلا كما اعتاش بعض الساسة على تلك الأخطاء من دون أن يقدم حلولا تجاهها ومن جانبها تمادت أجهزة الدولة في تلميع ما أفسده الدهر حتى تفاجأنا جميعا على وضع لا يمكن لنا أن نسكت عليه نظرا لاقتراب مخاطره المحدقة من عتبات بيوتنا بل ودخوله فيها عنوة.

تحديات الواقع الجديد

هكذا نرى أن مجرد السكوت عن تلك الاحتلالات الهيكلية المزمنة لسوق العمل لدينا في مملكة البحرين هو في حد ذاته مغامرة بمستقبل الوطن والأجيال، وعلينا أن نتقبل بقلوب وعقول منفتحة للجديد وبوعي أكبر لحجم التحديات الشاخصة أمام هذا الوطن وشعبه من دون الإيغال في جلد الذات وإنما التعامل بشفافية تلغي معها ترددنا المزمن في ملامسة قضايانا بموضوعية وجرأة. هكذا تفهم واضعو الدراسة ردود الفعل من قبل المعنيين، إذ أوضحوا ومنذ البدء أن تطبيق الدراسة يحتمل توقع شيء ليس بالقليل من الألم الذي علينا أن نتشارك في تحمله كما تشاركنا في تشخيصه من خلال الدراسة. فلقد لمست وعن قرب من قبل القائمين على الدراسة أن هناك تفهما أكبر لكل ما طرح من مآخذ واعتراضات أبداها البعض خلال ورش العمل وهذه ميزة يجب ان تحسب للنهج الجديد في التعاطي مع قضايانا الكبرى التي تبرز معضلة سوق العمل كواحدة من بينها، بل أن المؤشرات قد اثبتت حتى الآن مرونة متزايدة لتقبل إجراء التعديلات المطلوبة على الدراسة ذاتها لتصبح أكثر انسجاما مع واقع سوق العمل وبغرض التخفيف من الانعكاسات السلبية المتوقعة لبعض وجوهها في حال التطبيق وهذه ميزة لابد من ترسيخها كمفاهيم تعيننا على التفاعل مع جميع قضايانا التي يتفاعل من بينها الحوار الوطني وسماع الرأي الآخر الذي هو مصدر إثراء ونجاح لمساعينا الوطنية على مختلف الأصعدة، وخصوصا إذا علمنا أن دراسة سوق العمل هذه تتعاطى مع أحد أهم المعضلات الوطنية الملحة وهي البطالة والبحرنة التي بقيت في السنوات الأخيرة محل سجال وحوارات لم تنقطع بحثا عن الحلول تجاهها، إذ تاهت سياساتنا الوطنية على مدى عقود طويلة في زحمة حلول فوقية لم تجد طريقا إلى أرض الواقع نظرا لفوقانيتها وعدم موضوعيتها أو حتى جديتها في التعاطي مع الشأن المحلي والتنموي تحديدا فضاعت الملايين وفسدت الذمم وانتشرت البيروقراطية وتراجع الأداء وسبقنا الآخرون. هكذا علينا إذا أن ننظر بإيجابية أولا وبقليل من التوجس والخيفة ثانيا وبكثير من الصدق والابتعاد عن الأنانية المفرطة لدى البعض حين التعامل مع واقع سوق العمل في البحرين ليس بدافع التمسك بدراسة "ماكينزي" هذه وإنما على الأقل من واقع تحقيق مشاركة أسمى في صناعة القرار الاقتصادي ومن ثم الاسهام الحقيقي برؤانا وإن تعارضت أحيانا وهذه طبيعة الأمور لكي نستطيع أن نقدم إسهاما وطنيا خالصا تجاه أعقد قضية ألا وهي قضية البطالة وإصلاحات سوق العمل بكل ما تمثله من هواجس اجتماعية وأمنية خطيرة ومحدقة.

مازلنا نبحث عن اجابات

وهنا لابد لنا من الإشادة بما قدمته غرفة تجارة وصناعة البحرين من رؤى وتصورات ومرئيات في هذا الصدد وما يعمل على إعداده حاليا الاتحاد العام لعمال البحرين من مرئيات وتصورات بحسب ما أعلن أخيرا عن دراسة سوق العمل. اعتقد أن ما نحاول طرحه هنا يجب ألا يفهم على أنه ترويج للدراسة التي نحن بصدد الحديث عنها فأنا شخصيا لدي تحفظاتي التي طرحتها مع الآخرين من خلال ورش العمل التي مازالت تبحث عن إجابات لابد للقائمين على الدراسة من الاجابة عليها بوضوح وبفهم أعمق لمخاوفنا جميعا لكي نستطيع أن نكون أكثر ثقة واطمئنانا من أن سوق العمل لدينا يجب ألا يكون حقل تجارب وإنما نعمل مجتمعين على انجاح المشروع بطرح مآخذنا ورؤانا التي اثق أنها ستكون محل دراسة وتمحيص وفهم وصولا لما هو أفضل وهذا هو مغزى إقامة الورش والاستماع لآراء المعنيين. فمثلا عندما يطرح السؤال المحوري الذي استولى على جزء كبير من المناقشات عن مدى تأثر الميزة التنافسية للبحرين جراء تطبيق الدراسة بالنسبة إلى دول المنطقة، فهو سؤال أرى أنه لا يعني فقط رجال الأعمال وإنما يعني الجميع ومن بينهم العمال والاقتصاديون حتى صانعو القرار وهو بالمناسبة مرتبط بالهيكلية الاقتصادية الجديدة المنتظرة قريبا التي نأمل أن تكون متماشية مع حجم التحديات المحيطة بنا وبنوعية الاستثمارات المطلوبة وحجمها وبالاتفاقات التجارية الموقعة مع بعض الدول وبقدارتنا ومواردنا الاقتصادية الحقيقية وهذا يرتبط تلقائيا بحجم العمالة الوافدة المطلوبة، الرخيصة منها والماهرة على حد سواء وهل نحن سنختلف جوهريا عن دول الجوار في نوعية الاستثمارات المستهدفة وخصوصا تلك التي لها قيمة مضافة لاقتصادنا الوطني؟ وأنا هنا أتفهم جيدا المبررات والأمثلة التي ساقتها الدراسة بالنسبة إلى أسواق الفلبين وماليزيا وهونغ كونغ بالمقارنة بكل من أسواق سنغافورة وكوريا الجنوبية المجاورتين بالنسبة إلى نوعية وحجم الاستثمارات وعوامل المنافسة، كما أنني اتفق ايضا على أن الاعتماد على العملة الرخيصة باعتبارها ميزة تنافسية لا يعتبر سياسة قابلة للاستدامة نحو تحقيق نمو اقتصادي متطور، ولذلك لن تستطيع البحرين المنافسة بشكل ناجح في وجه البلدان ذات الكثافة السكانية الكبيرة والأجور الرخيصة مثل الهند وباكستان وبنغلاديش وسريلانكا وهذه حقيقة لا غبار عليها ولكن علينا أن نتنبه جيدا للقطاعات التي ستتضرر كقطاع صناعة الملابس والنسيج المعتمد أصلا على العمالة الأجنبية الرخيصة وبكثافة وماهي البدائل الواقعية والعملية التي سنقدمها لأصحاب رؤوس الأموال والمصانع في هذا القطاع؟! وهل بإمكان هذا القطاع أن ينهض مجددا وماذا علينا أن نوفر له من حماية؟!

كذلك لابد لنا من الحديث عن الآثار المتوقعة على قطاعات الإنشاء والبناء التي كما هو معروف أن بعضها قد أدمنت استخدام العمالة الرخيصة وغير الماهرة بل وتاجرت فيها من دون رقيب أو حسيب طيلة السنوات الماضية، وهل هذا القطاع قابل فعلا للاندماج وتكوين الكيانات الكبرى القادرة على الصمود في وجه المنافسة القادمة وهو المعتمد أساسا على شركات غالبيتها عائلية وقدرت دراسة "ماكينزي" أن من بين الآثار المترتبة على إجراء الإصلاحات على قطاع الإنشاءات والبناء أن كلف العمال سترتفع بنسبة لن تزيد على 14 في المئة ما سيعطي بالمقابل مبررا لزيادة أسعار المناقصات العامة والأسعار بصورة تلقائية. ومما لا شك فيه أن قطاع الإنشاءات والبناء سيكون مستهدفا بصورة مباشرة من إصلاحات سوق العمل باعتباره مسئولا مباشرا عن الاختلالات الهيكلية في هذا القطاع لصالح العمالة الوافدة التي تتكدس فيه كما اسلفنا بكثافة، لكي يكون بالامكان الحد بصورة كبيرة من العمالة السائبة والحد من تأجير السجلات بالباطن أو كواجهات لجلب العمالة الوافدة الرخيصة، والعامل المساعد هنا أن الدراسة تطرح محفزا موضوعيا يتلخص في أن شركات الإنشاءات والبناء ستسترد بعض كلفها من خلال تحسين وتعزيز قدرتها الإنتاجية بالاضافة إلى أن الدراسة تعطيها مهلة متدرجة لتعديل أوضاعها بالنسبة إلى العمال وهذا عامل مرونة لابد من تحقيقه حفاظا على تماسك ذلك القطاع وعدم الإضرار برؤوس الأموال الوطنية.

أسئلة مازالت موضع نقاش

وهكذا نرى أن هناك الكثير من الأسئلة المفتوحة التي كثيرا ما طرحت وهي لاتزال موضع نقاش موسع عن عدة أمور قد لا يتسع المجال هنا لسردها جميعا، ولكن من المهم أن يكون هناك تركيز على الجوانب الرئيسية التي تشكل مخاوف مشتركة كبرى، فمثلا عندما تطرح المخاوف عن مدى التأثيرات المتوقعة التي ينتظر أن تحدثها الدراسة في حال تطبيقها على مستقبل المؤسسات والشركات الصغرى والمتوسطة فهذا يجب أن يشكل لنا جميعا عامل سؤال مشروع لابد من التعامل معه والاجابة عليه بموضوعية نظرا لما يشكله حجم الشركات الصغرى والمتوسطة الكبير في بيئتنا الاقتصادية من محورية ترتبط فعلا بنوعية الخدمات التي تقدمها تلك المؤسسات وبمستويات أسعار تلك الخدمات بالنسبة إلى المستهلك، وهناك نقطة جوهرية عن كيفية التعامل الممكنة مع حالات الافلاس المتوقعة لبعض تلك الشركات، على رغم أن الدراسة تقترح أن غالبية تلك الشركات سيكون لديها إمكان استرداد بعض كلفتها الجديدة من خلال تحسين وتعزيز قدراتها وإنتاجيتها وأداءها، ولكن علينا هنا أن نهتم بالفترة الانتقالية وكيف نستطيع أن نحمي تلك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي هي في غالبيتها ملك لأفراد ورجال أعمال وبالتالي عوائل بحرينية وأعتقد أنه لابد من توفير نوع من الغطاء والحماية المطلوبة لكي لا نفاجأ بوضع يصعب الخروج منه فيما بعد، كما أنني اعتقد أن وجاهة تحسين الاعتماد على الكفاءات والمهارات العالية الأجنبية هي قيمة مضافة في واقع الحال يجب ان لا نبخس حقها شريطة تحقيق الصرامة المطلوبة في تطبيق العدالة للجميع كما تذهب إلى ذلك الدراسة ذاتها.

وهنا يكمن الربط المطلوب لسياسات التدريب والتعلم والهيكلة الاقتصادية الشاملة لكي نستطيع أن نطمئن جيدا إلى مستقبل قطاع الشركات الصغرى والكبرى. كذلك فإن الدراسة تقترح أنه خلال الفترة الانتقالية تلك فإن برنامج البحرنة لن يتم التخلص منه نهائيا أو دفعة واحدة مراعاة للمرحلة الصعبة المتوقعة أمام العمالة المواطنة ومساعدتها في البحث عن فرص عمل جديدة وهي بذلك تعطي الحق لأصحاب العمل في القطاع الخاص أن يحتفظوا بالأعداد الحالية من عمالتهم البحرينية لمدة 3 سنوات حتى يتم تنفيذ خطة فرض رسوم العمالة بشكل كامل.

تعزيز استقلالية إدارة الأموال

وعلى جانب الآخر نرى أن مخاوف القطاع الخاص بشأن الأموال والرسوم المتحصلة للصندوق تضل مبررة حتى يتم التنفيذ العادل والصارم، إذ ترى الدراسة أن تلك المبالغ سيتم جمعها وتخصيصها لصندوق العمل بفرض استخدامها لدعم البحرينيين ومساعدتهم في الحصول على وظائف في القطاع الخاص والاستثمار في هذا القطاع وبغرض التكيف مع السياسات الجديدة، وهنا لابد من تعزيز استقلالية إدارة أموال الصندوق بعيدا عن الموازنة العامة للدولة مع ضرورة ربط ذلك بمهنية إدارة الصندوق بشكل متخصص ومهني بالاضافة إلى العمل على خلق قناعات جديدة ومطمئنة لدى رجال الأعمال وهم هنا المساهمون في أموال الصندوق لتبديد مخاوفهم التي نعلم أنها ارتبطت شرطيا بفهم تاريخي متأصل لديهم عن سوء إدارة الأموال والرسوم المحصلة منهم في السابق وانعدام الشفافية فيها بالاضافة إلى إيجاد مرونة أكبر في حجم الرسوم المحصلة ومعقوليتها مع ضرورة تفعيل آلية صارمة للرقابة على الصندوق الذي سيكون حتما محل متابعة من قبلهم ومن قبل السلطة التشريعية أيضا لتوفير الطمأنينة وعدم الانحراف مستقبلا والابتعاد بعيدا عن أيدي المتنفذين والممارسات الفاسدة والبيروقراطية الحكومية المعيقة وفي هذا الصدد يجدر بنا القول إن محصلة الأفكار التي طرحت خلال الورش أثرت وعززت قناعة الكثير من رجال الأعمال وحفزتهم على التفاعل بصورة أكبر مع المشروع الذي لابد له من أن ينجح.

وبطبيعة الحال فإننا نرجو أن يتم التطبيق الجاد لما تقترحه الدراسة بانشاء وكالة عمل جديدة قادرة على وضع سياسات العمل وإدارتها بشكل شفاف ومسئول بحيث يعتمد بنية تحتية وقاعدة معلومات متطورة وكوادر فاعلة وغير فاسدة أولا وقبل كل شيء! لتنفيذ سياسات وكالة العمل المقترحة التي من دون توافرها لن تكون إدارة الصندوق ممكنة أو حتى فاعلة، ويذكر أن الدراسة أولت هذا الجانب على ما يبدو اهتماما كبيرا إذ اقترحت أن يكون عام 2005 بكامله لإعداد عملية إدارة وتنفيذ السياسات الجديدة وتصميم وإصلاح المؤسسات الحكومية الحالية وتصميم عملياتها الحساسة وإنشاء مرافق البنية التحتية لتقنية المعلومات المطلوبة.

كما أن هناك الكثير من الأسئلة التي يطرحها رجال الأعمال والعمال والمختصون على حد سواء بشأن قضايا الأجور والرواتب، فالكثير من الدراسات وبعضها دراسات رسمية تحدثت عن أهمية التفكير في وضع حد أدنى للأجور وهي سياسة كما رأت حتى دراسة سوق العمل التي نحن بصددها أنها مجربة وناجحة على رغم المبررات التي طرحتها الدراسة لرفضها والتي اوضحت فيها أن سياسات الحد الأدنى للأجور قد نجحت في اقتصادات لا تعاني من اختلالات هيكلية لصالح العمالة الوافدة كما هو لدينا، إذ يرى بعض الاقتصاديين لدينا أن مسوغ وضع حد أدنى للأجور يعد ضرورة لتصحيح ما هو قائم من تدني في الوضع المعيشي ومستويات التضخم ومراقبتها، علاوة على أنه محفز مطلوب لتعزيز دور العمالة البحرينية في القطاع الخاص تحديدا، وهو كذلك ضرورة لوقف التدهور المرشح للارتفاع فيما لو تم فرض سياسات الأجور المقترحة بصورة متسرعة وهنا فإن ضرورة التدرج كما تقترحها الدراسة بالنسبة إلى زيادة الرسوم تعتبر ضرورية ومطلوب مراقبتها باستمرار وإن كان لابد من التعايش كما يرى بعض الاقتصاديين مع الفترة الانتقالية بالنسبة إلى التحولات الخارجية للعمالة الوافدة... هذه هي مجموعة رؤى متعارضة نعلم جيدا أنه تم بحثها وباسهاب خلال ورش العمل ولكن من المهم التأكيد عليها وخلق فهم أكبر بشأنها.

مشارط الجراحة

من هنا فإننا نرى أن الحديث عن دراسة سوق العمل قد يتشعب ويطول، ولكن ما نجده مهما هنا أن هذا المشروع الواعد شأنه شأن أي مشروع آخر وهو بحد ذاته سيخلق ثورة حقيقية في تغيير مفاهيم واشتراطات وأساليب ظلت جامدة وبائسة لعقود لم تفلح معها مشارط الجراحة المرتجلة وباتت تتطلب حلولا أكثر علمية وعملية وصرامة وعدالة تطبيق وهياكل قادرة على الانتقال بأوضاع سوق العمل لدينا لآفاق أرحب، ونحن نكاد نجزم أن اوضاعنا بهكذا سوء وعشوائية هي فعلا تحتاج لعمليات جراحية جريئة وعاقلة بغرض الانقاذ وتغيير الأحوال نحو الأفضل وليس العودة القهقرى، وباعتقادي أن الدراسة بما أجري عليها من تغييرات وما أضيف إليها من أفكار ورؤى ستخضع لعملية متدرجة في أساليب التطبيق وسنكتشف جميعا المثالب والنتوءات التي تحتاج مع مزيد من الممارسة للإصلاح والتقويم وهي بكل المقاييس ثورة باتجاه المستقبل ولابد لآلياتها أن تكون قادرة على إصلاحها من الداخل، وهنا يجدر بنا القول أن الاستمرار في بؤس التخبط كما حصل في العقود الماضية سيضطرنا لتجرع ألم أكبر لا سمح الله فلماذا الاصرار إذا على الاستمرار في عشوائيتنا المفرطة التي لم نجد منها إلا التراجعات الاقتصادية والاجتماعية إذ انعكست تخبطا في قرارات وسياسات لم تصمد أو تنتج ما يستحق الاشادة، كما جلبت فقرا وبطالة أصبحت بحجم مهول نقف حائرين أمامها جميعا. هكذا نرى أن وقوفنا مع دراسة سوق العمل ينبع من إيمان حقيقي بوجوب الغوص بشكل علمي وجريء من دون الانتظار في تلك المعضلات من دون أن نستمر في وضع العراقيل والمخاوف التي لن تزيدنا إلا تراجعا، وبدلا من ذلك علينا أن نطرح البديل وأن نسهم برؤانا في رفد دراسة سوق العمل لمزيد من الكمال والتطوير وخصوصا أن غالبية دول المنطقة بدأت تتحسس جدية التعاطي مع اختلالات سوق العمل وعينها على المستقبل، ونحن نستطيع أن نكون كذلك فعلا لنستطيع ان نرسم بجهد جماعي ينشد التكامل سياسات نتشارك في وضعها لنلغي بذلك فوقية القرار التي كثيرا ما أضرت بتوجهاتنا وأعادتنا إلى الوراء.

نقول ذلك ونحن نعي تماما أن الحاجة تحتم علينا أن نكون أكثر مرونة وموضوعية حين التعاطي مع معضلاتنا التنموية والاقتصادية والتي بقيت على الدوام سببا رئيسيا في تراجعاتنا على مختلف المسارات الاجتماعية والاقتصادية حتى الأمنية أحيانا، فكيف لنا أن نهزم الفقر ونحجم البطالة والحرمان ومعدلات الجريمة من دون أن نضع أيدينا على الجرح ونحتمل الألم. من هنا كان طرحنا واضحا مع الآخرين بضرورة توازي جميع المسارات الثلاثة من سوق عمل وهيكلة اقتصادية وسياسات تدريب وتعليم على ان يتم البدء بوضع التوجهات الاقتصادية الجديدة التي ستتم مناقشتها باستفاضة من كل أولئك المعنيين ابتداء من هذا الأسبوع لنبدأ في الانطلاق نحو تفاصيل المشروع لنبدأ لاحقا في وضع خطواتنا الواثقة على طريق الإصلاح الاقتصادي الحقيقي الذي هو مضمون الإصلاح السياسي الأشمل الذي فيه يكمن مستقبل الوطن والأجيال من دون الانتظار طويلا فالسماء لن تعطينا ذهبا ونحن في حيرة من أمرنا أو تردد أو خوف وعلى كل الأطراف التي يهمها إنجاح مسيرتنا التنموية أن تبدي مزيدا من المرونة والفهم والتضحية بدلا من الوقوف في وجه سياسات التحديث التي يجب ان تبقى خيارنا كوطن وشعب نحو مستقبل في زحمة التحديات التي علينا أن نواجهها بقدراتنا وجهودنا من دون الاعتماد على الآخر.

عضو مجلس النواب

العدد 902 - الأربعاء 23 فبراير 2005م الموافق 14 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً