العدد 902 - الأربعاء 23 فبراير 2005م الموافق 14 محرم 1426هـ

هيكل في «الجزيرة»: السيستاني الأعقل في العراق وصاحب مشروع وحلول عملية

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

عندما تسمع عن محمد حسنين هيكل تتبادر إلى ذهنك مباشرة صورة جميلة لجمال عبدالناصر، اذ اختزل هذا الكاتب العملاق نكهة «الريس» الذي كان مالئاً الدنيا وشاغلاً للناس في صراعه مع «إسرائيل». وهيكل كان ولايزال يعتبر أحد الاهرامات المتبقية في الصحافة العربية، وكثيرون في العالم الغربي سمعوا عن هيكل أكثر مما سمعوا عن مصر. هيكل كان يقول في «هل يعقل ان يذهب جمال عبدالناصر من أيديكم وهو بعد دون الثانية والخمسين؟! انكم لم تحسنوا المحافظة عليه وتركتم الضغوط تعتصره»... ألم يقل نزار قباني وهو يرثي عبدالناصر:

«أبا خالد... يا قصيدة شعر

تقال، فيخضر منها المداد

إلى أين يا فارس الحلم تمضي

وما الشوط حين يموت الجواد

وراء الجنازة... سارت قريش

فهذا هشام وهذا زياد

وهذا يريق الدموع عليك

وخنجره تحت ثوب الحداد».

الحجارة كانت تقذف على عبدالناصر وبعد رحيله تضاعفت. وطالما عقدت مشانق لصديقه هيكل الذي كان يردد في كتبه «ان طعنة الصديق أشد ايلاما من طعنة العدو»، ويكرر المثل الصيني الجميل «الصديق عدو تحت التدريب»... قبل أشهر كان هيكل يعد افضل صحافي لدى بعض نخبنا العربية والكل يهتف باسمه، لكنه عندما صرح عن تحليله ورؤيته للعراق بدأت الحجارة تلقى عليه من كل جانب على انه عبارة عن مشروع خيانة ومروج للأميركان... هكذا يصبح الاتهام بالخيانة وجهة نظر... لا احد يستطيع ان يزايد على مدى النزعة العروبية والقومية التي يعيشها هيكل، وهو ليس محتاجا الى مال ولا جاه ولا منصب، وهل سيأتي في نهاية عمره الذي قضاه مدافعا عن هموم الوطن العربي في صراعه مع «إسرائيل» ليخوّن الامة لصالح الاميركان؟ هل هذا عقل؟ بأي مقاييس نحن نقرأ الحوادث... نتكلم عن الديمقراطية ثم بمجرد ان يقف شخص يطرح رأياً يخالفنا فإننا نتهمه بالعمالة للأميركان... دعونا نقرأ ماذا قال هيكل عن العراق... طبعا اقواله اختصرت بدعوته الى الواقعية وليس الى الذوبان. في المقابلة التي اقامتها قناة «الجزيرة» والتي شارك فيها عدنان أبوعودة وفهمي هويدي وأدارها محمد كريشان، كان لهيكل رأي مخالف لما طرحه هويدي، وعلى رغم ذلك لم يلجأ أي منهما في الندوة الى الاتهام بالتخوين أو العمالة. ثم تحدث هيكل عن السيد السيستاني قائلا إنه «الأعقل في العراق، وصاحب مشروع وحلول عملية».

سؤالي هنا: عندما يذكر هيكل ذلك هل كان في وضع يفرض عليه المجاملة على رغم معرفته بمدى تداعيات هذا التصريح. المشكلة ان هناك نخبا تبحث عن رضا الجمهور وأن هناك مثقفين يريدون افهام الجمهور، ولو أدى ذلك الى رميهم بالحجارة. تصريحات هيكل عن السيد السيستاني كانت متكررة وفي أكثر من مكان. بعد هذا التصريح أصبح هيكل عميلاً لأميركا ومروجاً لمخطط إسرائيلي وانه انقلب على جمال عبدالناصر وانه كان جاسوسا في ذلك الوقت للموساد وانه يطمح في دور جديد و... عشرات الاتهامات وجهت إلى هيكل وهو في عمر الثمانين. بعد الانتخابات العراقية وعلى رغم كل النصائح التي وجهت للمقاطعين في العراق عقد الآن مؤتمر لتدارك الموضوع بعد ان وزعت المواقع... السؤال: لماذا لا نتعلم من الدروس، فالخطابات الرنانة التي اطلقت في العراق لم توقف الانتخابات.

في صحيفة «الحزب العربي الديمقراطي الناصري» ذكر خبر لفت انتباهي أحب ان اطرحه في هذه الزاوية وهو: «الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل اهدى مجموعة كاملة من مؤلفاته للمرجع الشيعي العراقي آية الله السيدعلي السيستاني. السيستاني كان قد أعرب في بداية لقاء جمعه بالنجف الاشرف مع الاخضر الابراهيمي عن اعجابه الشديد بكتابات هيكل، وقال للابراهيمي انه يحترمه من دون معرفة سابقة لصداقته بهيكل وانه قرأ مقالات لهيكل نشرتها مجلة «وجهات نظر»، وطلب السيستاني ان ينقل لهيكل ان العراق لن يخذل العرب. نقل الابراهيمي - والكلام للصحيفة - رسالة السيستاني إلى هيكل عبر اتصال هاتفي». قبل أسبوع كتب الصحافي الشهير جهاد الخازن تحليلا رائعا يصور خلاله واقعية السيد السيستاني. الديمقراطية تعني ان تناقش الآراء وهذا حق للجميع، والدكتاتورية تعني ان تنتقل من تحليل أداء الشخص الى وضعه في خانة العمالة والتخوين وبيع الحقوق. لا أحد يضفي ألوهية على أحد ولكن يجب ألا تخلط القضايا... لسنا ضد حرية الرأي ولكن نحن ضد أوصاف التخوين. الآن لو سألت متهمي هيكل بالخيانة فإنهم يقولون: هذه ديمقراطية، لذلك نسألهم هل يقبلون ان يوصفوا هم بهذا الوصف؟

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 902 - الأربعاء 23 فبراير 2005م الموافق 14 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً