يبدأ الرئيس الأميركي جورج بوش يوم الأحد جولة أوروبية تستغرق خمسة أيام لإصلاح العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا وإيجاد الدعم لخطط إعادة بناء العراق وإعادة صوغ سياسات المنطقة العربية وجوارها، وذلك في ضوء ما طرأ على هذه العلاقات من توتر في فترة ولايته الأولى. وأعرب بوش عن أمله في أن يقنع الأميركيين والأوروبيين على حد سواء بأنه كما تجاوزوا خلافات الماضي فإنه يمكنهم أن يعملوا الكثير سويا لتحقيق أهداف كبيرة.
وسيتوقف بوش في بلجيكا وألمانيا وسلوفاكيا لمحاولة إظهار أنه يتفهم الحاجة إلى العمل مع أوروبا بالنسبة إلى المسائل العالمية. وقال مدير الدراسات الأوروبية في مجلس العلاقات الخارجية تشارلس كوبتشان: "إنها جولة مهمة من حيث انها قد تمثل فرصة أخيرة لإنقاذ الشراكة عبر الأطلسي والتي تواجه توترا مشحونا بخطر جسيم".
وإلى جانب الاجتماعات التقليدية مع مسئولين وقادة الدول الأعضاء في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي في بروكسل فإن بوش سيجري محادثات خاصة مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرودر والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذين يعارضون جميعهم بقوة الحرب على العراق. وقال المحلل في الشئون الأوروبية في مؤسسة هيرتيج اليمينية، جون هولسمان: "إن شكل العالم بعد 11 سبتمبر/ كانون الأول 2001 أصبح أكثر وضوحا وإننا نعيش في عالم تتولى الولايات المتحدة فيه رئاسة مجلس الإدارة، ولكن يجب عليها العمل مع بعض أعضاء المجلس الآخرين مهما كانت القضية".
وقال بوش يوم الخميس إنه يريد استبعاد الفكرة الموجودة في أوروبا بأن كل ما يهتم به هو أمن أميركا القومي ويريد أن يؤكد من جديد للأوروبيين "أننا في الوقت الذي نتجاوز فيه خلافات الماضي نستطيع العمل كثيرا معا لتحقيق أهداف كبيرة".
ومما يذكر أن الخلافات الرئيسية التي تفصل واشنطن عن أوروبا تتعلق برفض حكومة بوش معاهدة كيوتو لخفض الانحباس الحراري ورفضها الاشتراك في محكمة الجرائم الدولية وانسحابها من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ التي مضى عليها 33 عاما، إضافة إلى الخلافات المتعلقة بالعراق وتسوية قضايا المنطقة.
ويؤكد معظم المحللين أن الاحتمال بوجود خلافات وتوترات أقوى يعتبر احتمالا كبيرا. فلم تبتكر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المكون من 25 بلدا و450 مليون نسمة استراتيجية موحدة حول إيران. والبيت الأبيض غير مرتاح لخطط أوروبا برفع حظر مضى عليه 15 عاما على شحن أسلحة إلى الصين، كما أن بوش يريد مزيدا من المساعدة في العراق من أوروبا غير الراغبة في ذلك.
وقال الخبير البارز في السياسة الخارجية في معهد بروكينغز والمسئول السابق عن الشئون الأوروبية في مجلس الأمن القومي في عهد كلينتون، إيفو دالدر: "إنها ستكون غلطة كبيرة للحكومة الأميركية إذا اعتقدت أنها تتعامل مع أوروبا التي تجاهلتها قبل أربع سنوات"، مضيفا أن "أوروبا أكبر وأكثر اتحادا من أي وقت مضى، وقد تعلمت أوروبا شيئا من العراق: فعندما تقسم فلن نصل إلى أي شيء".
وقد أصدرت مجموعة من خمسين خبيرا في السياسة الخارجية ومسئولين سابقين من أوروبا والولايات المتحدة ورقة من أربعة آلاف كلمة يوم الخميس بعنوان "اتفاق بين الولايات المتحدة وأوروبا" تقترح سبلا تستطيع الولايات المتحدة وأوروبا بموجبها إيجاد أرضية مشتركة بشأن المسائل الشائكة وإعادة الروابط بين الجانبين، وقالت إنه يظهر أن هناك استراتيجية مشتركة بين الولايات المتحدة وأوروبا يمكن صوغها للتعامل مع التحديات الدولية.
ويغطي الاتفاق مجموعة كبيرة من الاهتمامات في مجال السياسة الخارجية بما فيها العراق وأفغانستان ومواثيق جنيف وتغير المناخ والسلام في المنطقة والصين وبرنامج إيران النووي. وتوصي الوثيقة بأن تتقبل واشنطن علنا رغبة الاتحاد الأوروبي في إجراء حوار مع طهران. ويتعين على أوروبا بالمقابل أن تعلن استعدادها فرض عقوبات جدية على إيران إذا فشلت في إرضاء الحلفاء.
وبالنسبة إلى العراق فإن الوثيقة تدعو الولايات المتحدة إلى البدء بحوار استراتيجي مع الحلفاء الأوروبيين، فالاتحاد الأوروبي يجب أن يلتزم بتدريب خمسة آلاف موظف مدني عراقي وخمسة وعشرين ألفا من رجال الأمن العراقيين وقوات الشرطة كل عام.
ويعتقد كوبتشان وهو أحد موقعي الوثيقة أن شيراك وشرودر وغيرهما من الزعماء الأوروبيين راغبون على ما يبدو في أن يقابلوا بوش في منتصف الطريق، ولكن قد يتعرقل ذلك بسبب المشاعر المعادية لبوش التي تهيمن على الرأي العام في بلدانهم. وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز جيرمان مارشال الشهر الماضي أن 76 في المئة من الأوروبيين لا يقرون معالجة بوش للسياسات الدولية، وهذه النسبة تزيد 12 في المئة عن الاستطلاع الذي أجراه المركز نفسه في العام .2003 وقال كوبتشان إنه يتعين على شيراك وشرودر أن يسيرا على خط دقيق ويتعين عليهما إعطاء بوش شيئا ما ولكن ليس الكثير. فلو أعطياه الكثير جدا فإنهما سيواجهان رد فعل في بلدانهم ويتعين عليهما أن يظهرا بمظهر المتشددين. كما يتعين على بوش أن يمشي على خط دقيق عندما يجتمع مع بوتين في برتسلافيا في سلوفاكيا يوم الخميس المقبل. وهذه القمة بينهما تأتي بعد أربعة أسابيع من إيضاح بوش في خطابه عن حال الاتحاد في مستهل ولايته الثانية، رؤيته لانتشار الديمقراطية وإنهاء ما أسماه "الطغيان في كل دولة" وتحميل الحكومات الأجنبية مسئولية انتهاكاتها لحقوق الإنسان
العدد 902 - الأربعاء 23 فبراير 2005م الموافق 14 محرم 1426هـ