لا يزال الرئيس الأميركي جورج بوش يتابع جولته في أوروبا. فهو عقد لقاءات مع قادة القارة واجتمع مع دول الحلف الأطلسي "الناتو" والرئيس الفرنسي وبحث مع كل زعماء الاتحاد الكثير من القضايا الثنائية أو المشتركة ودور القارة في إعادة صوغ العلاقات الدولية في الفترة المقبلة.
هذه المهمات كانت معروفة وتداولتها الصحافة الأوروبية مرارا ولكنها كلها مرتبطة بالاتفاق على آليات التنفيذ وتوزيع الحصص وموقع روسيا من كل تلك التطورات وما يمكن ان تفعله واشنطن مستقبلا.
وبانتظار نتائج لقاء القمتين الأميركية - الروسية تظهر منذ الآن على سطح العلاقات الثنائية الكثير من الشوائب وتحديدا تلك المتعلقة بتدخلات البيت الأبيض في شئون الكرملين. فالولايات المتحدة أبدت الكثير من الملاحظات على السياسة الروسية الداخلية ذات الصلة بتلك المفردات المتداولة من نوع "حقوق الإنسان" و"الديمقراطية" و"الشفافية". وهذا التدخل المكشوف ازعج موسكو مرارا واضطرها احيانا إلى الرد على بعض تصريحات قاسية وردت في كلمات أدلى بها بعض المسئولين في الإدارة الأميركية. وآخر ما ورد في هذا الصدد تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين التي شددت على الطابع الخاص للديمقراطية الروسية وخصوصيتها وظروفها المختلفة. فالكلام الروسي يشبه إلى حد كبير الكثير من التصريحات التي سبق واطلقها زعماء دول العالم الثالث حين كانت واشنطن تثير مشكلات بسبب سياستها التدخلية في هذا البلد أو ذاك.
لقاء القمتين الروسية - الأميركية يعقد اذا في فضاءات متوترة تشير إلى وجود علاقات غير مستقرة بين الطرفين يحتمل ان تعزز الشكوك المتبادلة وخصوصا ان الكرملين يعتبر واشنطن غير صادقة في سياستها وتعهداتها. فالكرملين اتهم البيت الأبيض مرارا بعدم الالتزام بالاتفاقات الموقعة بين الطرفين، كذلك اتهم إدارة بوش بعدم المسئولية في قراراتها الدولية والتعامل الفوقي مع مصالح الدول الكبرى.
العلاقة اذا تسيطر عليها أجواء مشحونة بالقلق ومخاوف روسية متزايدة من ارتفاع طموحات واشنطن وعلو مطامعها التي اخترقت الكثير من الحواجز وتخطت الخطوط الحمر التي تفصل بين جغرافيا موسكو السياسية وحدود أميركا السياسية المتوافق عليها. وربما تكون هذه التوترات تقف وراء السبب الذي دفع الرئيس بوتين في تصريحات سابقة إلى وصف أميركا بممارسة الدكتاتورية العالمية في وقت تدعي التزامها الديمقراطية في الداخل.
وفي هذا المعنى يمكن فهم وصف بوتين للولايات المتحدة بـ "الديمقراطية" في سياساتها المحلية و"الدكتاتورية" في سياساتها الخارجية. وهناك بعض الاتجاهات النقدية للتاريخ الأميركي بدأت ترى ما يراه الرئيس الروسي. وهناك اتجاهات نقدية أخرى ترى أيضا في التصرفات الأميركية الداخلية حالات من الاستبداد تمثلت مرارا في تجاوزات حصلت ضد مواطنين بسبب انتماءاتهم اللونية أو الدينية أو الثقافية بذريعة مكافحة "الإرهاب" في الولايات المتحدة. وهذا التجاوز للخصوصيات وحقوق الإنسان في داخل أميركا بدأ يجد صداه الخارجي حين اتجهت واشنطن نحو التفرد بقراراتها وتوريط العالم في حروب كان بالإمكان تجنبها لو لجأت إلى استخدام وسائل سلمية أو التشاور مع دول ذات شأن وصاحبة مصلحة في تطويق بؤر التوتر المنتشرة في أكثر من مكان.
كل هذه التشنجات "الايديولوجية" لا معنى لها حين تلتقي الدول الكبرى وتبدأ بالتفاوض. فالتفاوض يبدأ دائما من السقف الأعلى ويأخذ بالنزول للتوصل إلى الحد الأدنى المشترك وينتهي إلى تبادل المغانم وتحديد الأدوار والكيفيات. وفي هذا الإطار تبدو الإدارة الأميركية أكثر وضوحا وتعرف ماذا تريد وماذا لا تريد وما يمكن الاستغناء عنه وما يمكن التنازل عنه مقابل مسألة أخرى وفي موضع آخر. فالولايات المتحدة حددت برنامجها قبل ان يبدأ بوش جولته واختصرت الكثير من النقاط الحساسة واختزلتها في ثلاث أو أربع قضايا تتعلق كلها بالدائرة الممتدة من إيران إلى السودان. وضمن هذه الدائرة "الموسعة" تقع الكثير من النقاط الساخنة التي يبدو ان ملفاتها باتت جاهزة للفتح أو للحل.
والسؤال: هل موسكو مستعدة للتفاوض وما هي حدود التنازلات التي يمكن ان تقدم عليها وخصوصا تلك المتعلقة بمصالح روسيا في إيران وسورية؟ الجواب ينتظر لقاء القمتين ونهاية جولة بوش الأوروبية، وغير ذاك يبقى في خانة التكهنات والتوقعات
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 902 - الأربعاء 23 فبراير 2005م الموافق 14 محرم 1426هـ