لم يكن غريبا البتة هذا النشاط والحيوية التي شهدتها عشرة محرم في البحرين قاطبة بغالبية ساحقة من مدن وقرى ممتدة بطول البحرين وعرضها. .. على رغم برودة الجو القارس في بعض الليالي والذي لم يثن المخلصين لقضية ومناصرة ورفع راية الإمام الحسين "ع" عن المشاركة الفعالة في مراسم ذكرى استشهاده التاريخية، فظروف هذا العام كانت مواتية ومناسبة جدا لوجود إجازة محترمة تمتد لثلاثة أيام خالية من أية امتحانات تزعج الطلبة الذين هم أساسا عماد أي نشاط كونهم النسبة الأعلى في المجتمع، أو أية التزامات "ضاغطة" مثل الأعمال وغيرها، ومنها يمكن للمشارك أن يقتنصها "الاجازة" ليعطي الإمام الحسين حقه، فهي الصدفة وحدها التي ترتب هذه الأمور فلا مدارس أو جامعات أو دورات رياضية ومباريات تنسق وتحترم هذه المناسبة وتضعها على الاولويات في جدولها الزمني لنشاطها طوال العام لتشجع وتهيئ الجو المناسب للمشاركة، ولكن الصدفة كما أسلفنا هي الفيصل.
موسم عاشوراء في البحرين موسم له أثره الفعال منذ القديم... فهو موسم تقام شعائره وبهذه الكيفية وبهذه التفاصيل... فهو موسم دسم لم تعرف البحرين على رغم صغر حجمها واختلاف مذاهبها واختلاف أفكارها وتنوع مشكلاتها من جميع الفئات والاحزاب - إن صح التعبير - من وحدة أكبر من تلك الوحدة واللحمة التي تراها في عاشوراء الحسين... فاليساري يعمل جنبا الى جنب مع الإسلامي... والسني "على رغم قلتهم ولكنهم موجودون" تراه يصول ويجول في خدمة الإمام... والكل يعمل للكل... لا فرق بين ذاك الدكتور وذاك المدير أو ذاك الوزير السابق أو الحالي والموظف والعامل، فالكل متكئون على ذلك "المسند" أو متجاورون على تلك الكراسي البلاستيكية الخارجية كون داخل المأتم لا يتسع لهم يستمعون الى الخطيب الحسيني الذي يعرض أدب وثقافة ثورة الإمام الحسين "ع" على المنبر، كل بأسلوبه وبحجم ثقافته واهتماماته.
موسم عاشوراء الحسين هو موسم مميز على جميع الاصعدة في البحرين... على رغم تعاقب السنين ومرور الأزمات في البحرين فهو لم ولن ينقطع... موسم عاشوراء الحسين صار يتميز في كل عام عن الآخر بشكل أفضل وبشكل أكثر تطورا... فعلى سبيل المثال لا الحصر... على رغم دخول تلفزيون البحرين حيز تغطية الشعائر الحسينية في السنتين الماضيتين فقط! فلا تجد تأثيرا أو حضورا له مقارنة بالمحطات الفضائية الاخرى وخصوصا الجديدة مثل "الفرات" و"الأنوار" وسابقتهم "المنار". كما أن ما يعيب تغطية تلفزيون البحرين هو بث تصوير الفعاليات الحسينية "بخجل" على القناة الأرضية التي لا يشاهدها حتى البحرينيين! وكأنهم يقولون شيء أفضل من لا شيء! ومن هنا لا أجد القائمين على نشر هذه الفعاليات الحسينية يعتمدون على الإعلام الرسمي، لأن القائمين على هذا الموسم قد تعدوا مرحلة اعتمادهم على التلفزيون وبثه المحدود والخجول بأميال كثيرة... فهم أدخلوا التقنيات الأعلى بشكل أكبر بكثير من خلال البث المباشر لمدة أربع وعشرين ساعة متواصلة على الانترنت، يعرضون ويقابلون فيها جميع الفعاليات التي تدور رحاها في البحرين وفي شتى المناطق... فأثناء مرورك في أزقة المنامة مثلا ترى الكاميرات والشاشات متناثرة تواكب الحدث أولا بأول... فأصبحوا في غير حاجة الى فقرة لا تتجاوز الدقائق المعدودات تعرض على القناة الأرضية بأسرع من الصوت وسط مسلسلات وأفلام وأغان لا تمت الى المناسبة بصلة لا من قريب أو من بعيد. كما مارس القائمون على إحياء هذه المراسم الدور الإعلامي المكتوب من خلال الكتيبات والنشرات اليومية المطبوعة "بشكل أنيق ومحترم" والمجلات الفاخرة الطباعة مثل مجلة عاشوراء بالاضافة الى وجود الصحف اليومية التي صارت تعترف بوجود عاشوراء له شعائره وظروفه ونشاطاته في البلد لتغطي الحوادث وتعرض القضية من جميع جوانبها، ولم تمارس تهميشا لهذه القضية كما تفعل بعض الصحف للأسف الى الآن! كما مارس القائمون كذلك دورا إعلاميا آخر من خلال عمل السياحة الدينية الراقية من خلال برامج للأجانب أو من خلال إثراء ثقافة الرسم من خلال المرسم الحسيني في المنامة وهذه الثقافة "الرسم" أصبحت تنتشر في كل مكان في البحرين وهذا شيء جميل مشرف وصحي ينم عن نجاح باهر للتجربة من شأنه أن يصدرها للمناطق والدول الأخرى.
ولن ننسى طبعا الدور الريادي للمنبر الحسيني فهو الذي يعتبر أبو الإعلام على مر العصور... فموسم عاشوراء البحرين أصبح مثل المؤتمر الذي يمتد الى عشرة أيام ومن شأنه أن يعرض قضية الامام الحسين عليه السلام الخالدة كل بمنظوره ورؤيته التاريخية والأدبية والسردية للوقائع... هو الناطق الرسمي الذي جابه التعتيم الإعلامي في الأزمنة السابقة... المنبر الحسيني استطاع بقوته أن يهزم جميع المتصيدين والرافضين وجميع من حاولوا زرع الفتن بجميع أشكالها... هذا المنبر استطاع أن يوحد الصفوف ويرسم الطريق الصحيح للمسيرة،.. هذا المنبر الحسيني كان ولا يزال هو الناطق الرسمي الذي يرد على الجميع ويتصدى ويجابه المتصيدين.
إضاءة
يبقى أن فلسفة قضية الإمام الحسين "ع" هي الفلسفة الحاضرة في أذهان جميع المؤمنين بهذا الفكر الحسيني الذي أنقذنا من الانصياع والضياع والسقوط في براثن الذل والعبودية... وليعلم أي كان... بما أن هناك سائرين على نهج ثورة الإمام الحسين... فإن هناك أحرارا لن يهدأوا إلا بالاستمتاع بكامل حريتهم
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 901 - الثلثاء 22 فبراير 2005م الموافق 13 محرم 1426هـ