على الأرجح، فإن النائب عبدالنبي سلمان لم يقصد حين جادل وزير شئون مجلسي الشورى والنواب واتهم الحكومة بعدم التعاون وذلك في جلسة الثلثاء 15 الجاري وزاد أنه "قد" يرفع خطابا إلى جلالة الملك. .. لم يقصد التأشير على المادة "67" من الدستور التي تخير الملك بين إعفاء رئيس الوزراء وتشكيل وزارة جديدة أو حل مجلس النواب، إذا اتفق ثلثا أعضاء المجلس الوطني "الشورى والنواب في جلسة مشتركة"، على عدم التعاون مع رئيس الوزراء.
أقول ذلك لأسباب عدة، من بينها أن لا أسباب جوهرية، استثنائية، ومستجدة في شأن تعاطي الحكومة مع النواب، تجعل النواب يختارون "التصعيد". فمنذ البداية اعتبرت الحكومة المجلسين "ملحقين" بها، فلا الدستور يجعلهما أكثر أهمية من المؤسسة التنفيذية المتضخمة على الأرض، ولا الأعراف التي ترسخ منذ نحو ثلاث سنوات في وارد جعل المجلسين في موازاة الحكومة: مؤسستين منفصلتين ومتعاونتين، ويمكن مشاهدة الزيارات المتبادلة للتعرف على ذلك.
الأهم هنا، أن المادة الدستورية "67" هي أقرب إلى النص الافتراضي، وهي شبيهة ببعض الأسئلة الفقهية مثل: وجود مسلم في الصحراء، يريد الصلاة، ولا يوجد عنده إلا ابريق من ذهب، فهل يجوز له الوضوء؟... أو تلك التي يسألها البعض عن إشكالية الوضوء في الفضاء، ومواجهة القبلة، كما في فيلم "السحلية" الإيراني، الذي منعه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية لأنه ينتقد رجال الدين، مع أن الفيلم أنتج في إيران، التي يمارس رجال الدين فيها دورا بارزا في الحياة السياسية.
ويمكن هنا أن أعدد من الصور، ما يشير إلى المادة "67" افتراضية، وقد وضعت لحل مشكل لا يتوقع حدوثه أصلا إلا في النوادر، في زمن قلت فيه مثل هذه الأمور على أي حال.
السياق الذي ورد فيه كلام سلمان، كان أقرب إلى التلاوم. والتلويح باللجوء إلى الملك، كان - على الأغلب - شكوى سياسية إلى صاحب المشروع الإصلاحي، لا دعوة إلى اتخاذ إجراء دستوري. وما تبع كلام سلمان من تصريحات صحافية على مدى عدة أيام، كان من مبادرات "السلطة الرابعة" "بين قوسين"، لا مبادرات النواب وبياناتهم ومؤتمراتهم الصحافية... الصحافيون هم الذين اتصلوا وأخذوا تصريحات، وهم يقومون بواجبهم، في ظل شح الأخبار بسبب إجازة عاشوراء، ما أعطى أحاديث النواب أهمية نسبية، وهي قد تعد - من ناحية مهنية صرفة - "عادية"، و"استهلاكية" ولا تستحق أولوية في الصفحات الأولى، في أوقات أخرى.
الشعور بالغصة ينتاب النواب دون شك، ولعل أكثرها يتعلق بعدم قدرتهم على التشريع، بسبب المادة "92" من الدستور، وهي المادة التي أحدثت فارقا جوهريا مع دستور ،1973 قالمقترح المقدم من عضو البرلمان، بحسب دستور 1973 "القديم" - كما يعتبره عبدالرحمن النعيمي خطأ - يناقش مباشرة في الجلسات، أما في دستور 2002 فمقترحات القوانين لا تناقش، وإنما تحال إلى الحكومة التي يحق لها الاحتفاظ بها لمدة سنتين، وهي تفعل ذلك من دون تردد.
ومع ذلك، فإنه يمكن القول، مع بعض التحفظ، انه يمكن للحكومة حتى من دون وجود نص المادة "92"، ومن دون وجود مجلس الشورى أن تعطل العمل النيابي، كما فعلت طوال ثلاثين سنة، وكما هو الحال في الكويت، الذي لا يبدو فيه المنتخبون في مجلس الأمة اصحاب تأثير نوعي، ولدى الحكومة هناك، كما هنا، من تأثير بالغ يمكنها من ضبط إيقاع المجلس المنتخب... علما بأن الحكومة البحرينية تفسر المادة "92" بصورة غير مرضية. وأشك أن هذه العلة يمكن أن تصحح عبر إعادة تنظيم دائرة الشئون القانونية، وجعلها هيئة مستقلة تماما، بما يجعل صوغها للقوانين ذا طابع فني، ولا تطغى عليها القراءة السياسية، بيد أن هذا التصور غير واقعي، فستظل هذه الدائرة في يد السلطات الرسمية، التي بيدها أن تؤخر مقترحات القوانين، مع ملاحظة أن النواب لا يسعون أصلا إلى دائرة مستقلة، وإنما تابعة إلى العدل.
وجود المادة "92" مزعج جدا، خصوصا مع وجود مجلس معين يقوم بدور "الموازن". والخيار هنا أن تعدل المادة "92"، بيد أن ذلك سيواجه صعوبة بالغة، ليس فقط لكون السلطات راغبة في السير رويدا رويدا، مع احتفاظها بحق "النقض" في أي قرار لا يعجبها، وإنما لكون خيار التعديل تعده السلطات خطا أحمر، ربما، إلى حين على الأقل، ما دامت المعارضة الرباعية تضع ذلك شرطا لدخول البرلمان
العدد 901 - الثلثاء 22 فبراير 2005م الموافق 13 محرم 1426هـ