الأميركيون أنفقوا في العام 2002 ما يعادل 20 مليار دولار على الثقافة والفنون والسينما والمسرح، وينفق الشعب الأميركي أربعة مليارات دولار لشراء الصحف والمجلات، ويستهلك كل أميركي عشرة كيلوغرامات من الورق سنويا،وتعتبر الولايات المتحدة الدولة الأولى عالميا التي يتبرع فيها الأثرياء بجميع ممتلكاتهم بعد مماتهم للمؤسسات الثقافية والفنية. وفي البحرين لنا نصيب، فموازنة توزيع مجلة العربي الكويتية تعادل موازنة قطاع الثقافة والفنون بالبحرين.
يشدد النقاد الأميركيون كسفين بيرتريكس وتيري تيشأوت في مقالاتهم الدورية في الصحافة الأميركية على أن الولايات المتحدة لا تحتاج فقط إلى الإنفاق على العمران والمصانع والتسلح، بل هي تحتاج كل يوم أن تنفق على الثقافة بما يوازي الضعف، فهم يرون أن الثقافة الاميركية لم يكتب لها التحديد حتى اليوم، لذلك لابد من الاستمرار في الإنفاق حتى يستطيع النقاد وضع تعريف واضح ومحدد للثقافة والفن الأميركي.
الحضارات لا تقاس بالعمران فقط، ولعل العمران كان أكثر المشاهد بؤسا في مشاهد الحضارة المدنية في هذا القرن، هذا ما أسميه "الحضارة المقنعة" على غرار البطالة المقنعة، تبقى الثقافة والتثاقف والجو الثقافي هو المميز الحقيقي للازدهار الحضاري والإنتعاش المجتمعي.
الدول التي تأخذ الصورة المبهرة حضاريا، التي تعيش عقدة أو اثنتين من عقد التاريخ. والتي في الوقت نفسه لا تمتلك اليوم حراكا ثقافيا حقيقيا، هي أمة تتجاوز المراحل التاريخية بجدارة، وهي أضحوكة في نفسها من دون أن تدري، النموذج العربي في الدول النفطية "دول الخليج، ليبيا" والنموذج الآسيوي "النمور الأسيوية"، كلها نماذج هشة من عظام مخرومة من الداخل، لذلك تجدها في الجانب السياسي سريعة التصدع والانهيار، رهينة الأزمات السياسية كل يوم. تقع في زاوية المفعول به في الحقل السياسي والاقتصادي العالمي على رغم ادعاءاتها بأنها دول فاعلة.
لعله أصبح واضحا جدا بما لا يتطلب التوضيح أننا في البحرين معنيون بما كتبت في مقدمتي، فما ينفق على الثقافة والفنون في البحرين لا يساوي طموحات أبناءه، هذا إذا تناسينا تلك المنغصات الأخرى التي تبتلى بها المحافل والمسارح الثقافية من إلصاق للشأن السياسي بها. ولعله من المنطقي أيضا أن اشارككم الرأي في أن ما كتبت لا يغير حالا ولا يبدل وضعا قائما. لذلك نحن لا نحتاج إلى التزيين أو التعديل أو الترميم، وحده الخراب الجميل للثقافة والفنون، قد يجدي
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 900 - الإثنين 21 فبراير 2005م الموافق 12 محرم 1426هـ