هل تتحمل المنطقة العربية - الإسلامية المزيد من الحروب؟ فالمنطقة امتدادا إلى أفغانستان شهدت سلسلة من المواجهات الدموية منذ نهاية حرب فيتنام وانتقال الصراع الدولي من جنوب شرق آسيا في منتصف السبعينات إلى دائرة ما يسمى "الشرق الأوسط الكبير". .. أضخم المعارك الدموية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فهل المنطقة الآن مستعدة لحرب جديدة، وهل هناك مصلحة أميركية في خوض عدوان على شاكلة ذاك الذي ارتكبته واشنطن ضد العراق؟
من يراقب تصريحات المسئولين الأميركيين وتحديدا الأربعة الكبار "بوش، تشيني، رامسفيلد، ورايس" يلاحظ أن هناك ما يشبه الإجماع على عدم استبعاد الخيار العسكري. فالأربعة أشاروا في سياقات مختلفة إلى مثل هذا الاحتمال مع عدم استبعاد الخيارات الأخرى "المفاوضات، والحلول الدبلوماسية".
إلا أن الخيار العسكري وهو أحد الحلول المطروحة في برنامج بوش التقويضي في ولايته الثانية ليس سهلا. فهناك الكثير من الموانع والعقبات التي تقف في وجه احتمال تنفيذه. كذلك فإن الحل العسكري في حال ارتكبته واشنطن ستكون نتائجه كارثية، وليست بسيطة وهو قد يستدرج المنطقة كلها إلى تداعيات لا يعرف أين تنتهي وتستقر... وليس بالضرورة أن تكون حسابات الورق "والكمبيوتر" متطابقة دائما مع تحولات الواقع.
المشكلة في إدارة البيت الأبيض أنها لا تفكر كثيرا في التداعيات. وإذا فكرت تقرأ دائما ما يناسب مصالحها ولا ترى في الكوارث إلا بعض تلك الطموحات التي قصدتها أو نجحت في تنفيذها. والعراق أكبر مثال على هذا النوع من التفكير التحطيمي. فإدارة بوش تعتبر أنها نجحت في إحداث معجزات "تحولات" في العراق، فهي كما تقول أسقطت نظام صدام وأسهمت في انتخاب أول برلمان عراقي منذ 40 سنة. هذه "المعجزات" الأميركية تقرأ الإدارة مفاعيلها خارج دائرة الكوارث التي جرها الاحتلال على بلاد الرافدين. فهي لا تتحدث عن تحطيم البنى التحتية، وتقويض الدولة، ونهب خيرات البلد، وإحداث شرخ أهلي في المجتمع، وتعميم الفساد والسرقات، وعدم وجود أمن، ومقتل وجرح قرابة ألف عراقي شهريا، إضافة إلى الفوضى وزعزعة الاستقرار وتهديد أمن دول الجوار ونشر التطرف وغيرها وغيرها من مسائل تمس تفصيلات الحياة اليومية للمواطن العراقي "كهرباء، ماء، مستشفيات، مدارس إلى آخر السلسلة".
هذه المشكلة في التفكير الأميركي تفسر إلى حد كبير سياسة العبث التي تتبعها إدارة البيت الأبيض. وبسبب هذه السياسة تشكلت موانع وعقبات عربية وإسلامية تمتد من المحيط إلى الخليج، ترفض ما يسمى بمشروع "الإصلاح" الأميركي، وذلك ليس لأن المنطقة ترفض الإصلاح، بل لأن واشنطن تريده من خلال تقويض الدول القائمة وتحطيم البنى التحتية التي لا غنى عنها للشعوب. وما فائدة الإصلاح "كذبة أولى" والديمقراطية "كذبة ثانية" إذا كان المشروع كله يقوم على سياستي التقويض والتحطيم.
إذا كلفة المشروع الأميركي غالية جدا ومرتفعة الثمن وشعوب المنطقة ليست مستعدة بالتضحية بما تملكه "على قلته" مقابل وعود "عرقوبية" تهدف إلى سفك الدماء واستباحة الناس وتقويض الدول وتحطيم البنى التحتية.
الكلفة إذا هي أحد أبرز الموانع والعقبات التي تواجه المشروع الأميركي التدميري. إلى ذلك هناك الطرف المستفيد من هذا التقويض للمنطقة. فالشعوب العربية "وليست الدول فقط" تجد في المشروع الأميركي سياسة إسرائيلية ومساعدة مباشرة للدولة العبرية التي تستقوي بالحروب العدوانية لتعزيز سيطرتها وتثبيت احتلالها وتغطية رفضها للقرارات الدولية.
إذا هناك عقبات وموانع كثيرة تعطل إمكانات الدفع نحو المزيد من الحروب الأميركية على المنطقة العربية - الإسلامية. وهذا الرفض يبدأ من الشعوب قبل الدول بسبب الكلفة البشرية والمادية والسياسية العالية لتحقيق أفكار المشروع التقويضي - التحطيمي الذي يبدو أن "إسرائيل" هي الطرف الأول المستفيد من كل تلك التداعيات والانهيارات.
إلا أن الإدارة الأميركية "وهذه هي مصيبة المنطقة" لا تفكر وفق مصالح الشعوب العربية، وانما وفق مصالح "إسرائيل" وبالتالي فهي مستعدة للدفع نحو المزيد من الحروب حتى لو اقتضى الأمر توريط المنطقة العربية - الإسلامية بمواجهات دموية جديدة تفضي إلى المزيد من الفوضى الأمنية وانتشار العنف. فهل ستوافق أوروبا على مشروع الولايات المتحدة الجديد خلال جولة بوش واتصالاته. الأمر مستبعد جزئيا وليس كليا ولابد من انتظار نهاية الجولة لتحديد مواصفات الجواب عن السؤال
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 900 - الإثنين 21 فبراير 2005م الموافق 12 محرم 1426هـ