أعلنت الصين مؤخرا عن تغييرات وإضافات في برنامجها المالي الضخم وتعهدت في الوقت ذاته بأن تبقي على ما اتخذته من تدابير تحفيزية نقدية ومالية. وفيما يرجح أن يكون النمو الاقتصادي قد ازداد في تباطئه في الفصل الأول، فإن المجهود الحكومي يدعم الأمل بأن نمو الناتج القومي الاجمالي الحقيقي سيزدهر في النصف الثاني من العام.
واذا أخذنا علما بأن الحكومة ستدفع الى الامام بإعادة الاعمار وتطوير البنية التحتية في أعقاب الزلزال، تحتم علينا الافتراض بأن الصناعات ستستفيد ويرجح أن يؤثر ذلك على انتعاش استيراد المواد الأولية. غير أن تأثير كل نقطة من نمو الناتج القومي الاجمالي على سائر العالم يمكن أن يكون أقل من السنوات الاخيرة لأن استيراد المعدات الانتاجية سيستمر في الهبوط بسبب معاناة الصناعة التحويلية من الطاقة الانتاجية الزائدة. أما من ناحية التضخم حيث الطاقة الاحتياطية والبطالة ترتفعان فإن الصين تعود في رأينا لتكون مصدرا كبيرا للانكماش.
وإذا أخذنا في الاعتبار النسبة المتدنية من الدين الحكومي الى الناتج القومي الاجمالي، نلاحظ أن لدى الصين القدرة على تنشيط الاقتصاد وباندفاع بواسطة المالية الحكومية. ففي الوقت المناسب، يستطيع هذا الإجراء أن يوازن ضد التأثير السلبي للهبوط العالمي وهو تأثير أثبته الهبوط الشديد في التصدير وتدني التدفقات الاستثمارية الخارجية.
ويعتقد اقتصاديون بأن التوسع الرسمي لنمو يصل الى 8 في المئة هذا العام قد يتحقق جراء تحول الطلب الخارجي الى طلب داخلي. ويرجح أن يجري هذا التحول تدريجيا. وفي الواقع يصفه العارفون بأنه انتقالي. إن إعادة توازن أكثر سرعة يستلزم ارتفاعا اضافيا في الانفاق «الترفيهي» (من شأنه تخفيض الادخار الاحترازي) ودرجة من رفع معدل صرف العملة، وهذا أمر ليست السلطة مستعدة لتقوم به في هذه المرحلة.
إن التعليقات التي تفوه بها الرسميون الصينيون مؤخرا توحي بأنهم غير مرتاحين لتراكم ما لديهم من الأصول الأجنبية (وخاصة سندات الحكومة الأميركية ووكالاتها) الذي ينجم عن فائض في ميزان المدفوعات ويحدث صعودا في سعر الرمنجي. وفي الوقت نفسه، أشار رئيس الوزراء ون جياباو بوضوح الى أن سياسة التبادل الاجنبي تستمر في التأثير على «الاستقرار» في سعر صرف العملة وهذا يعني أن الصين لاتزال تكره بقوة رفع سعر عملتها وزيادة الفائض في ميزان المدفوعات وتجميع موجودات أجنبية وإن كان بوتيرة اكثر تباطؤا.
إن الملاحظات الأخيرة التي ساقها حاكم بنك الصين المركزي زاو كزيا شوان، وجادل فيها بأن حقوق السحب الخاصة يجب أن تحل محل الدولار كعملة احتياط اساسية، ينبغي أن تقرأ، في رأينا من ضمن هذا التوجه.
وتتوقع الصين استمرارها في إحداث فائض في ميزان المدفوعات، لكنها ترغب في التنويع الى خارج الدولار بسبب الانعطاف الذي اتخذته السياسة الاميركية بوجه الأزمة غير المسبوقة. ثم ترغب الصين بأن تؤكد ثقلها المتنامي في الشئون العالمية وإن كان بتعقلها المعهود وبطريقتها التدريجية. إن عملة عالمية جديدة تؤدي بالضبط هذا الغرض. فهل يوافق وزير الخزانة الأميركية «غينتر» على ذلك الغرض؟
العدد 2399 - الثلثاء 31 مارس 2009م الموافق 04 ربيع الثاني 1430هـ