توقفت الحياة حول مقر المستشارية يوم الجمعة الماضي وقربت المسافة جدا بين بغداد وبرلين. وفي القنال الموجودة وراء المقر راح رجال البحرية يبحثون إذا كان هناك إرهابي مختبئ تحت الماء. وعلى شرفات المقر انتشر قناصة ينتمون لوحدة خاصة راحوا يراقبون كل شيء يتحرك على مدى 300 متر. لم يسمح لأحد الاقتراب من المستشار شرودر وضيفه رئيس الوزراء العراقي إياد علاوي. بلغت درجة الحذر حد إلغاء دور حرس الشرف في استقبال رئيس الوزراء العراقي.
هذه المرة أصر خبراء الأمن على ضرورة أخذ تحذيرهم على محمل الجد بعد أن قالوا إنهم حصلوا على خيوط تشير إلى أن إسلاميين متطرفين يخططون لاغتيالات.
منذ أكثر من عام يراقب البوليس السري الألماني المواطن العراقي عطا - المقيم في مدينة شتوتجارت الذي لديه صلات بعراقيين في مدن ألمانية أخرى - حين تم الإعلان عن موعد زيارة علاوي إلى ألمانيا العام الماضي سرقت أجهزة الأمن سمع المكالمات الهاتفية التي جرت بين عطا ورفاق له، إذ كانوا يتحدثون عن "الضيف". ثم راقب الألمان كيف راح أحدهم يسير بسيارته حول الأماكن المدرجة على برنامج زيارة علاوي وكان بينها مقر دويتشه بنك في العاصمة برلين، إذ كان مقررا أن يجتمع علاوي مع ممثلي الاقتصاد الألماني. تم إلغاء لقاء علاوي مع ممثلي الاقتصاد الألماني مثلما تم إلغاء اجتماع مقرر مع عراقيين يعيشون في المنفى. هذه المرة تصرف خبراء الأمن بسرعة فائقة. كثير منهم يعرفون اللغة العربية قاموا على الفور بترجمة نص كل مكالمة هاتفية.
قال أحد المحققين إن أعضاء المجموعة وضعوا خطة عفوية من دون تحضير طويل. ليست هناك معلومات محددة بشأن التنفيذ وإذا كان الاعتداء بصورة رمي زجاجة مولوتوف على علاوي خلال وجوده في مقر "دويتشه بنك" أو خلال اجتماعه مع الجالية العراقية أم بواسطة سيارة مفخخة توضع على جانب طريق يمر به موكبه. كان من المقرر أن يقوم العراقي رفيق - المقيم في برلين بتنفيذ الاعتداء ولم يكن يعرفه البوليس السري في السابق.
لقد تم إيقاف ثلاثة عراقيين العام الماضي ونقلوا إلى مكتب المدعي العام الفيدرالي في مدينة كارلسروهي، ولكن لم يعترف أي من الموقوفين الثلاثة بالتهم التي وجهت إليه لكن ما ذكروه عبر الهاتف يدل على أنهم كانوا يخططون لاغتيال علاوي. يعتقد أن الثلاثة ينتمون إلى مجموعة عراقية صغيرة لكنها خطرة تعمل بنشاط في جنوب ألمانيا. تعرف الجماعة باسم "أنصار الإسلام" ينتمي إليها أكراد مسلمون يطمحون بإقامة دولة إسلامية في شمال العراق ومحاربة قوات الاحتلال في العراق وتقديم العون للمقاومة العراقية. كادت هذه المجموعة أن تحقق هدفها لولا التدخل السريع لأجهزة الأمن الألمانية.
كان شمال العراق في عهد صدام حسين منطقة لا تخضع لنفوذ بغداد الأمر الذي استغله الإسلاميون وأقاموا في المنطقة أفغانستان صغيرة وأقاموا صلات مع أسامة بن لادن وبصورة خاصة مع أبومصعب الزرقاوي الذي برهن عن شراسته من خلال قطع رؤوس الرهائن وأصبح في الغضون زعيما لتنظيم "أنصار الإسلام". أقام الإسلاميون في شمال العراق معسكرات تدريب وقاموا بتجارب على صنع عبوات ناسفة واستخدام أسلحة كيماوية وحين اجتاح الأميركيون المكان خلال الحرب الأخيرة حصلوا على وثائق تؤكد أن التنظيم كان يسعى لبناء القنبلة القذرة.
انضم مؤيدون للتنظيم بعضهم من ألمانيا. وفقا لبيانات البوليس السري الألماني هناك مئة عراقي على الأقل توجهوا من ألمانيا إلى العراق عاد 20 منهم بينما اختفى أثر الآخرين. بعضهم قتل على أيدي الأميركيين وبعضهم مازال يعمل بنشاط.
خلال عمليات استراق سمع الكالمات الهاتفية لعدد من أنصار الإسلام في ألمانيا حصل الألمان على عنوان مستودع للأسلحة في شمال العراق وقاموا على الفور بإبلاغ الأميركيين الذين توصلوا إلى مكان المستودع. كان هذا دليلا على دقة التعاون بين أعضاء التنظيم داخل العراق وخارجه. كما حذر مفوض الاتحاد الأوروبي لقضايا الإرهاب غيز دو فريز من أن بعض الأشخاص الذين يقيمون في دول الاتحاد الأوروبي سافروا إلى العراق للتدرب على القيام بعمليات إرهابية.
معضلة خبراء الأمن في ألمانيا أنه ليس هناك صورة واضحة عن بنية تنظيم "أنصار الإسلام" في أوروبا لكن المؤكد أن خطر هذا التنظيم لا يقل عن خطر تنظيم "القاعدة". يقول وزير الداخلية في ولاية غونتر بيكشتاين بافاريا إن هناك وسطاء يعملون في تأهيل محاربين من فتيات مقيمات في الاتحاد الأوروبي لتسهيل حصولهم على حق الإقامة وحرية التنقل. وقال أحد المحققين الألمان: نعلم أن أفراد هذا التنظيم منتشرون في مناطق متعددة. هذه المرة تصرفنا في الوقت المناسب وحققنا النجاح. ثم أضاف قوله وهو ينظر إلى السماء: من يدري ماذا يخبئ لنا القدر؟
العدد 899 - الأحد 20 فبراير 2005م الموافق 11 محرم 1426هـ