طيب الملك حمد بن عيسى آل خليفة، خاطر زائريه من أهالي الدير وسماهيج حين استجاب سريعا لطلبهم تخصيص أرض مسجلة باسم جلالته لتنفيذ مشروع إسكاني يستفيد منه أهالي القريتين المحرومتين.
تساءل جلالته: "الأرض التي تتكلمون عنها عليها بناء؟". فجاءه الرد "لا". "هل تصلح للمشروع؟". "نعم". فقال الملك: "اعتبروها هدية مني للأهل، وحتى ما نخلي للاسكان عذر".
الأرض المهداة، عبارة عن أرضين يفصل بينهما مرفأ "رية" الحالي، تقعان في البحر، وتحتاجان إلى دفن ليتم إنجاز المشروع. وتبلغ مساحة الأرض الأولى أكثر من مئة ألف متر مربع "11 هكتارا" وتقع في الجهة الشمالية الغربية من المرفأ. وتشير التقديرات إلى أنها يمكن أن تستوعب نحو 190 قسيمة، أما الأرض الثانية فهي أكبر بكثير "تقع في الجهة الشرقية من المرفأ"، وتبلغ مساحتها أكثر من 351 ألف متر مربع "35 هكتارا"، ويمكن أن تستوعب أكثر من 800 قسيمة، مساحة كل منها 400 متر مربع، وذلك بعد أن تستقطع نحو 30 في المئة من المساحة للخدمات والطرق، ويمكن أن يزداد عدد البيوت كثيرا، إذا تم تقليل حجم القسائم، علما بأن معدل مساحة بيوت الإسكان تبلغ نحو 240 مترا مربعا.
يأمل الأهالي أن تدعم خطوة الملك خطط الاسكان التي أهملت طويلا في المنطقة، وكأن لا أحد يسكنها. إذ في خلال خمسة وعشرين عاما وزعت "الإسكان" نحو 20 أرضا فقط على أبناء المنطقة الذي يبلغ عددهم الآن نحو 14 ألف نسمة، وهذا ليس بسبب قلة المساحات كما تدعي السلطات، وإنما بسبب اعتقاد ساد الدوائر الرسمية سنين طويلة بأن القرى "على الفضيل".
لقد تضاعف حجم القريتين بسبب إعادة تخطيط المناطق الزراعية وبناء بيوت عليها، والأهم بسبب دفن البحر. وهذا ما جعل بعض الأهالي يقترح أن "نشتري دفانة، وندفن البحر، أفضل من أن يأخذها متنفذ من دون وجه حق، ويبيعها على المواطنين بأغلى الأثمان". ومعلوم أن سعر الأراضي بلغ حاليا في سماهيج والدير أكثر من ثمانية دنانير للقدم المربع.
وبالتالي، فإن الأمل ألا يتأثر مشروع الإسكان الذي سبق أن أعلن عنه في العام الماضي، وتأخر تنفيذه والمتعلق ببناء نحو 78 بيتا، و91 قسيمة سكنية في مزرعتي "السيول" و"كرانة" الواقعتين في سماهيج، على أن يستفيد منه أهالي القريتين. وغير جديد القول إن هذا المشروع لا يلبي الطلبات الإسكانية المتراكمة، التي تبلغ نحو ألف طلب "حتى نهاية 2003 كانت تفوق 800 طلب"، وإن كان البعض يأمل أن تتحول مزرعة "كرانة" إلى حديقة عامة، في ضوء افتقار المنطقة إلى مساحات خضراء مفتوحة للناس.
كان يمكن الخروج بمكتسبات أكبر من اللقاء مع جلالة الملك الذي لن يتكرر إلا بعد سنوات، ربما، لو نفذ الوفد خطته في تقديم المطالب كما رسمت. بيد أن قصر الجلسة، بسبب خطأ تكتيكي من قبل الوفد، أنهى اللقاء من دون طرح كل المطالب تفصيلا، عن سوء التخطيط، ورصف الطرق، وحل مشكلات المجاري التي تعاني منها بعض المناطق، وإنشاء ممشى، وساحات شعبية للأطفال، وحديقة عامة تتوافر فيها حدود معقولة من أدوات الترفيه، ومدرسة ثانوية للبنات، ومواقف للسيارات، فضلا عن إلقاء ضوء على المشكلات الكبرى المتعلقة بالبطالة، والفقر، والمرفأ الذي يخدم المئات من صيادي البحر، والصعوبات التي تواجه المؤسسات الأهلية، وهي المشكلات التي ذكرت بشكل مقتضب في الرسالة الرئيسية التي ألقاها الناشط علي هلال.
عموما، التحدي بدأ الآن. وهو يتعلق بمدى قدرة وفد القريتين على متابعة الوعود الصادقة التي تلقاها من رأس الدولة، في ضوء تعقيدات متوقعة على الأرض. ويفترض أن تتشكل لجنة لمتابعة المطالب مع الديوان الملكي مباشرة، ويمكن توقع أن يقوم وزراء الاسكان والبلديات، ووزراء آخرون، بزيارة المنطقة، للاطلاع على الاحتياجات الفعلية، ويستدعي كل ذلك إشراك الأهالي الذين من حقهم إبداء رأيهم فيما يخصهم من شئون، لذلك فإن الأمل كبير في أن تعقد لجنة المتابعة المترقب تشكيلها للقاءات مع الناس لمعرفة آرائهم واحتياجاتهم.
وعلى الصعيد الوطني، فإن إهداء الملك الأرض للأهالي، يمكن أن يشكل أنموذجا في تعويض الناس، ومساهما في حل مشكلات السكن المتفاقمة، ولعل على الآخرين الاقتداء بالملك
العدد 898 - السبت 19 فبراير 2005م الموافق 10 محرم 1426هـ