يبدأ الرئيس الأميركي جورج بوش جولته الأوروبية اليوم وعلى جدول زيارته سلسلة لقاءات خطيرة أهمها الاجتماع إلى قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسيل وثم الاجتماع مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك في باريس ثم تلك القمة المنتظرة بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
قبل بدء جولة بوش كانت وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس مهدت لها بزيارات وتصريحات نارية عكست ذاك الاضطراب السياسي الذي تمر به إدارة البيت الأبيض. هذا الاضطراب يدل على وجود مؤشرات سلبية في واشنطن تريد الدفع باتجاه استكمال ما بدأته في ولاية بوش الأولى. إلا أن الولايات المتحدة لا تريد تكرار ذاك الانقسام الدولي الذي شهدته عواصم القرار بسبب تعنت الإدارة الأميركية وإصرارها على مخالفة الشرعية الدولية وانفرادها بسياسة التقويض التي بدأت بإعلان الحرب على العراق من طرف واحد.
مصدر الاضطراب في السياسة الأميركية المقبلة ينطلق من هذا التعارض بين إصرار البيت الأبيض على استكمال حروب التقويض وتحفظ دول القرار على انفراد الولايات المتحدة في اتخاذ خطوات تزيد من الفوضى الدولية وعدم استقرار الأمن في دائرة ما يسمى بـ "الشرق الأوسط الكبير".
والسؤال كيف سيعالج بوش في ولايته الثانية هذا التعارض بين الرغبة الأميركية الجامحة والطامعة وبين قدرات الولايات المتحدة على تنفيذ مشروع كبير في مدة لا تزيد على السنوات الأربع؟
هذا السؤال يعطف نفسه على أسئلة كثيرة وفي طليعتها تلك المتعلقة بمدى استعداد أوروبا وروسيا والصين إلى السير وراء رعونة كتلة شريرة تسيطر على القرار الأميركي وتديره من مبنى "البنتاغون".
الأجوبة تنتظر نهاية جولة بوش في أوروبا واجتماعاته مع قادة الاتحاد وتحديدا الرئيس شيراك. وكذلك لابد من توقع الكثير من لقاء بوش مع الرئيس بوتين وخصوصا بعد أن استقر الهجوم الأميركي على ضفاف البحر الأسود وشواطئ قزوين.
الانتظار ضروري لمعرفة النتائج إلا أن قراءة سريعة للأجواء المتوترة التي تعيشها واشنطن تكشف عن وجود سياسة هجومية تريد استغلال بعض المعطيات والمخاوف وترجمتها في حروب صغيرة وربما كبيرة ضد ما تسميه الولايات المتحدة محاربة "أنظمة الاستبداد". فالولاية الثانية لبوش طورت كما يبدو شعاراتها الهجومية السابقة إلى شعارات تقويضية جديدة فهي أضافت إلى "مكافحة الإرهاب" فكرة تقول بمحاربة "أنظمة الاستبداد". وهذا يعني سياسيا أنها انتقلت أو وسعت جبهة الحرب وبات المطلوب الآن اسقاط الأنظمة وليس فقط اسقاط الإرهاب.
في الولاية الأولى اتبعت واشنطن تكتيك اسقاط الأنظمة من خلال طرح فكرة "محاربة الإرهاب". وفي الولاية الثانية يبدو أن واشنطن في صدد تطوير تكتيكها السابق والبناء على ما افتعلته باتجاه "مكافحة الإرهاب" من خلال طرح فكرة "محاربة الاستبداد".
هذا الجديد في تفكير البيت الأبيض يريد بوش في ولايته الثانية تسويقه خلال جولته الأوروبية التي بدأت اليوم. والجديد في هذا التفكير يتطلب موافقة أوروبية ومرونة روسية وكذلك يحتاج إلى نوع من التسويات "الصفقات" بين مراكز القوى الكبرى. فهل فرنسا مستعدة لمثل هذا التنازل والتفاوض مع الولايات المتحدة على الحد الأدنى من تقاسم النفوذ والمصالح؟ وهل روسيا هي في وضع يسمح لها بالمزيد من التضحية مقابل خروقات سياسية وأمنية أميركية لحدودها الممتدة من غرب الصين وأفغانستان إلى جورجيا وأوكرانيا وربما بيلاروسيا في الوقت القريب؟
هذه الأسئلة تحتمل الانتظار مدة أسبوع لمعرفة تفصيلات قد تتسرب من تلك اللقاءات والاجتماعات. إلا أن الواضح من السلوك العام أن السياسة الأميركية لم تتخل عن رعونتها وتحديدا تلك النقاط الحساسة المتمثلة في ما تسميه ملفات "الشرق الأوسط الكبير". فالولايات المتحدة تضع الملف النووي الإيراني على رأس جدول اهتماماتها، وكذلك تضع الملف السوري على رأس ذاك الجدول مستفيدة من القرار ،1559 وكذلك تضع أمن "إسرائيل" على جدول اهتماماتها حتى لو كلفها الأمر خوض حرب مباشرة "وليس بالوكالة" دفاعا عن حكومة ارييل شارون.
والسؤال هل ينجح بوش الثاني في استخدام تلك الهواجس الأمنية المفتعلة من الملف النووي الإيراني وان يستغل تلك الثغرات التي أحدثها القرار 1559 في الجدار اللبناني - السوري للنفاذ إلى المنطقة من خلال قرقعة السلاح وضجيج المدافع والصواريخ؟
لا يعرف حتى الآن الحدود التي ستذهب إليها الأمور ومدى استعداد أوروبا وروسيا إلى مسايرة قيادة مجنونة في أميركا تقرأ السياسة بلغة القوة في وقت تدعي فيه واشنطن أنها تريد الأمن والاستقرار في "الشرق الأوسط". الوقت لمعرفة الأجوبة النهائية ليس طويلا. وجولة بوش الأوروبية أول الغيث
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 898 - السبت 19 فبراير 2005م الموافق 10 محرم 1426هـ