"وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام"، هكذا كان الحسين. .. الجذوة التي لا تنطفئ. نقف أمام بطولته التي لن ننساها. مخطئ من يريد أن يأسره في البيت الشيعي، فقد سجل مجد البشرية على حد تعبير الأديب الكبير جبران خليل جبران "لم أجد انسانا كالحسين سجل مجد البشرية بدمائه"... قال "مجد البشرية" ولم يقل "مجد الشيعة"... وذلك هو الرفض، فما أجمل الرفض، عندما يكون حسينيا أو محمديا أو حسنيا ورحم الله الامام الشافعي إذ يقول:
إن كان رفضا حب آل محمد
فليشهد الثقلان أني رافضي
عاشوراء يجب أن تقودنا إلى الوحدة بيننا نحن المسلمين... ولا فرق بين مأتم ومأتم وبين موكب وموكب، فعلى مائدة الحسين تذوب الحساسيات وتزول الفوارق... ذلك الدم النازف في كربلاء، وذلك النجيع المتلألئ في فضاء الليل الأسود حري به أن يجمع قلوبنا فإن قوما لا يجمعهم ولا يوحد كلمتهم دم الحسين لا يمكن أبدا أن يوحدهم شيء آخر. ورحم الله بولس سلامة إذ يقول:
جلجل الحق في المسيحي حتى
عد من فرط حبه علويا
كربلاء أكبر من الحزب وأكبر من الطائفة وأكبر من أي شيء آخر... والسؤال: كيف نحيي كربلاء... وهنا يكمن عنصر الكيف وليس الكم... النوعية وليس العدد... الحسين ليس ظاهرة بكائية على رغم اهمية الدموع... ولكنها الدموع التي تنسكب ثائرة على النفس وليس الرضا عنها... نعم الدموع... تلك الدموع الانسانية دموع الرحمة... وانظروا إلى الحسين في يوم العاشر يبكي قاتله! أرأيت مقتولا يبكي لقاتله. التاريخ يصور لنا الحسين والجيش يزحف... الحسين يبكي، تسأله أخته: فداؤك نفسي لماذا بكيت؟ يقول: "أبكي من أجل هؤلاء القوم، لأنهم يدخلون النار بسببي". يجب أن نقف أمام هذه الدموع الرحيمة... اذا اكتشفناها فسنعرف أن موسم عاشوراء يجب أن يوحد قلوبنا فيكون يوم الحب ويوم الرحمة ويوم اللقاء ويوم نسيان الماضي، وهكذا نحن مطالبون بمنابر تزرع الوعي في عقول العامة لتثمر رياحين... نبحث عن المنبر الذي ينتج المعرفة... على المجلس أن يكون مجلسا اقتحاميا، يقتحم صميم المشكلة، وبين أيدينا قطاعات واسعة من المثقفين والنخب من رجال ونساء مازالوا متعطشين إلى المنبر الفكري والثقافي... هكذا هي النوعية.
قل كيف عاش ولا تقل كم عاش
من جعل الحياة الى علاه سبيلا
موسم كربلاء يجب أن يشد أبناءنا إلى التعليم والدراسة والعمل في كل حقول الحياة من تجارة واقتصاد، لأن كربلاء تعني الموت لصناعة حياة الانتاجية، بهذا ينبغي أن نصنع لنا الهدف. الحسين يقول في يوم العاشر "ومن لم يلحق بنا لم يبلغ الفتح"، والفتح هو حياة الكرامة مع الخبز النظيف واليد التي لم تنغمس في وحول الكذب... يقول انطوان بارا: كان بامكان الحسين أن يقبل بمزرعة نائية من يزيد وتنتهي العملية... ولكن الحسين أرادها حياة حقيقية.. لهذا فإن الحسين أكبر من الدمع.
وضعناك بالأعناق حرزا وإنما
خلقت لأن تمضي حساما فتشرع
وضعناك من دمع وتلك نفوسنا
نصورها لا أنت أنت أرفع
فاللطم يجب أن يتحول الى مشروع كفاح في الحياة... يتحول إلى سيف في قتل الوقت الضائع، إلى رمز للقوة في الاقتصاد والسياسة والثقافة... ورحم الله الشاعر الحلي وهو يقول:
أفلطما بالراحتين فهلا
بسيوف لا تتقيها الدروع
القوة الاقتصادية هي سيف من هذه السيوف، والقوة والذكاء السياسي هو سيف من هذه السيوف، والحصول على افضل الشهادات الاكاديمية هو سيف من هذه السيوف... فلنحارب الفقر بسيف المؤسسات وبناء المصارف، ولم لا؟ فلو كنا نصرف 4 ملايين دينار على محرم فلماذا لا نصرف مليونين ونؤجل الملايين لبناء بنك اسلامي.
الامام الحسين علم اصحابه الترفع عن العصبية ووضعهم في الصورة الحقيقية للمعركة وكان واضحا معهم... إن هناك في كربلاء موتا وليس غنائم دنيوية. علينا أن نحبهم حب الإسلام، ذلك الحب الهادف، كما أراده الإسلام. الحب الذي يزرع الرحمة وينبذ الشقاق وهي دعوة إلى التوحد بين المسلمين. في الجاهلية كبرت الأصنام البشرية حتى ترددت مقولة: "إذا غضب غضب له عشرة آلاف سيف لا يسألونه فيم غضب".
وهكذا نحن اليوم ندخل في حروب أهلية وحروب عالمية لغضب شخص مثل هتلر وغيره.
اقرأوا الحسين في الفكر الآخر وماذا قال فيه العقاد وطه حسين وعلي الوردي والشرقاوي وعبدالله العلايلي وانطوان بارا وبولس سلامة وجورج جرداق والسياب ونزار قباني وأحمد فؤاد نجم وغاندي وادوارد براون المستشرق الانجليزي وتوماس الهندوسي الرئيس السابق للمؤتمر الوطني الهندي وأبوالعلاء المعري والشاعر احمد حجازي وخالد محمد خالد وبنت الشاطئ والشيخ خليفة بن حمد آل خليفة، وكل هؤلاء المفكرين والدعاة يقولون: إن الحسين للبشرية وكذلك هو
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 897 - الجمعة 18 فبراير 2005م الموافق 09 محرم 1426هـ