العدد 897 - الجمعة 18 فبراير 2005م الموافق 09 محرم 1426هـ

عاشوراء... أنبل ثورة من أجل الحقوق والعدالة ومحاربة الفساد

العاشر من محرم والعاشر من ديسمبر يومان عالميان

لا يختلف العاشر من ديسمبر/ كانون الأول، عن العاشر من محرم، في الجوهر، فإن كان الأول يشير إلى ذكرى إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإن الثاني يشير إلى أكبر ثورة من أجل المطالبة بالحقوق وتجسيد "العدالة الاجتماعية والسياسية" والحرية ومحاربة الفساد، وإن جاءت مواد الإعلان نصية وجامدة، ردا على الحروب والصراعات العالمية، فإن ذكرى عاشوراء كتبت موادها ونصوصها بالتضحية في أسمى وأنبل صورها الإنسانية من أجل الحقوق، كل الحقوق.

أشارت دراسة أجراها احد الباحثين، تتخللها مقارنة ما بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونهضة الإمام الحسين "ع"، جاء فيها تناول الإعلان العالمي في ديباجته مسألة الكرامة الفطرية كأساس للحرية الإنسانية، وحقوق الإنسان، إذ ينص على "أن الاعتراف بأن الكرامة الفطرية، والحقوق المتساوية وغير القابلة للانتقاص منها لكل أعضاء الأسرة الإنسانية هي أساس الحرية، والعدالة والسلام في العالم"، وقد اعتبر انتهاك هذه الكرامة والحرية الإنسانية بمختلف أنواعها يقود إلى الحروب، والويلات، والمآسي، والثورات، و تجاهل وازدراء حقوق الإنسان قد أديا إلى أعمال همجية، أثارت غضب ضمير الجنس البشري. وينص على أنه "من الضروري، إذا لم يجبر الإنسان على اللجوء، كملجأ أخير إلى الثورة ضد الطغيان والقمع، فإن حقوق الإنسان يجب أن تحمى بحكم القانون".

مقارنة ما بين الإعلان العالمي وعاشوراء

وتضيف الدراسة "بناء على الإعلان العالمي تلزم صيانة الحرية، والكرامة الإنسانية، وحقوق الإنسان إذا أريد للمجتمع الداخلي أو الدولي أن يعيش حالا من الأمن والاستقرار بحيث يصلح لعيش الإنسان بالمقدار الذي يكون فيه قادرا على البناء والإنتاج".

ويبين الباحث في الدراسة أن "الإمام الحسين "ع" لم يتوقف في هذه المسألة في حدود إطارها النظري فحسب، وإنما أنزلها، بل نزل بها إلى حيز الواقع العملي، ومارسها شخصيا. فحين أحس الإمام الحسين "ع" بمدى انتهاك حقوق الإنسان، والحرية الذي باشرت به حكومة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بحق أبناء الشعب لم يكن ليقف مكتوف اليدين إزاء ذلك، بعد أن استنفد كل الوسائل الممكنة لثني ذلك الطاغية عن ممارساته تلك عندها باشر شخصيا بممارسة التغيير الذي عبر عنه بقوله: "ألا وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"... وبقوله: "لا ينبغي لنفس مؤمنة ترى من يعصي الله فلا تنكر عليه".

حكومة العدل والحق

وعن علاقة عاشوراء بحقوق الإنسان قال رئيس جمعية التوعية الإسلامية الشيخ سعيد النوري لـ "الوسط": "عاشوراء تمثل في أهم منطلقاتها حركة لتجسيد العدالة الاجتماعية والسياسية، و ذلك جزء من منظومة حقوق الإنسان، والإمام الحسين "ع" تحدث عن الحق في عاشوراء، إذ أثار قضية الحق والباطل بقوله "ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه".

ولفت إلى أن "ثورة الحسين، تمثل مشروعا حضاريا اجتماعيا، متكاملا، تتركز على البناء التوحيدي من جانب، وعلى العدالة والحقوق من جانب آخر، ولا يمكن فصل هذا عن ذاك، والحسين أوضح في شعاراته هذه المسألة، إذ تحدث عن العزة والكرامة، وربطهما بالله، الحسين ربط ربطا عميقا ما بين العبودية والعزة، باعتبار ان العبودية تعزز من الاعتزاز وضرورة اقامة حكومة العدل والحق"... "البعد السياسي ينبثق من البعد التوحيدي والعبادي، الحسين ركز على الصلاة والعدالة في آن واحد، إذ صلى أمام أسنة الرماح والسهام، في الوقت نفسه الذي كان يصرخ فيه بالعدالة".

وردا على اتهام تقصير الخطباء الحسينيين في إبراز الجانب الحقوقي في مجالسهم أجاب: "لا نستطيع أن نعمم الحكم على الخطباء كافة بعدم تناولهم المسألة الحقوقية" إلا أنه أكد في الوقت ذاته ضرورة "تسليط الأضواء على هذا الجانب المهم وعدم إغفاله". مشيرا إلى "أننا بحاجة إلى رؤية معمقة لتأسيس الوعي الحقوقي"، داعيا "كل الخطباء لاقامة منتديات فكرية من أجل تدارس النهضة الحسينية وللتركيز على الأبعاد الحقوقية والاجتماعية والسياسية والعبادية لعاشوراء".

وانتقد الخطباء بقوله: "كثير من الخطباء يعيشون حال الاغتراب عن الواقع الشبابي ويقدمون تنظيرات بعيدة عنهم".

الثورة وكرسي السلطان

قيم عاشوراء ليست حصرا على طائفة معينة، ولا يحق لأي طرف احتكارها، فهي قدوة للأحرار، والمطالبين بحقوقهم. وعلى صعيد علاقة عاشوراء بالحقوق قال الشيخ جلال الشرقي لـ "الوسط": "إن حادثة الحسين سطرت الخطوط العريضة للثورة على الظلم وأهله كما سطرت حقوق الإنسان، وأنه لابد أن ينالها وان يضحي من أجلها بالغالي والرخيص".

وتابع "ضحى الحسين ليس من أجل منصب الخلافة أو كرسي السلطان وانما كانت تضحيته لتعلم الاجيال انه لابد من التصدي للظلم وأهله عملا بقول الرسول: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"... "ثم ان الحسين يريد أن يبين انه لابد من المحافظة على حقوق الإنسان، لأن الله يريد الإنسان أن يكون حرا فلا تكون العبودية الا لله ومن هذا المنطلق كان الرسول "ص" يحرص على أن يكون الإنسان حرا وأثار سيدنا عمر بن الخطاب "رض" هذا الأمر عندما عاقب ابن عمر بن العاص عندما تعرض للقبطي وكان كافرا وقال له: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".

موضحا أن "ثورة الحسين في وجه الطغيان دليل واضح على تطبيقه ودفاعه عن حقوق الإنسان في قول كلمة الحق".

إنصاف الثورة

وقال الناطق الرسمي باسم الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان: "تمثل رسالة الإمام الحسين من خروجه من المدينة المنورة إلى أرض كربلاء في التصدي لمقومات الظلم، بداية لحق الإنسان في أن يبحث عن الحقيقة ويدونها بدمه قبل أن يكتبها بقلمه، وهذه سمة لمن كان وسيكون رسولا لإحقاق الحق، وتثبيت مبادئ العدالة وسمو القيم الإنسانية، هذا الارتباط بين خروج الحسين وما أخذناه من موعظة، تحثنا نحن الناشطين في مجال حقوق الإنسان على أن ننتصف للحق بممارسة عملية، والعدل وألا نكون مرائين للمزايدات والشعارات... من اراد ان يترجم رسالة الإمام الحسين "ع" بشكل حقيقي وصادق فعليه أن يتمثل بقيمه السامية في الممارسة وليس في الادعاء".

وأكمل "يجب أن نعلم أن الإمام الحسين أرسى مبادئ وقيما اسمى مما يمارس في الكثير من مثل هذه الشعارات وليست الشعائر، فالشعيرة الدينية والحقوقية يجب أن تنتصف للإمام ومبادئه والشعارات لها آفاقات تخدم مصالح أصحابها قبل ان تخدم الرسالة الحسينية الحقوقية".

مضيفا "عاشوراء ليست قضية حقوقية بحتة، فهي رسالة دينية وأخلاقية وقانونية، وعلى الجميع ان يتكاتف لإبراز الوجه المتألق لعاشوراء".

زينب ونبذ التمييز ضد المرأة

وعن ذلك قال احد النشطاء الحقوقيين: "من يفهم فلسفة عاشوراء يفهم لماذا خرج الحسين، فمقولته انما خرجت لطلب الإصلاح، تعبر عن الامتداد الحقيقي للإسلام، وإذا اعتبرنا ان النهضة الحسينية هي بقاء الاسلام ومبادئه كما قال أحد المفكرين: الإسلام محمدي الوجود وحسيني البقاء، ما يعني أن الحركة الحسينية امتداد لحمل الثقافة الإسلامية وما تحتويها من حقوق ومبادئ، مثل العدل والمساواة وعدم التمييز، وكل تلك الحقوق لم تكن عبارة عن شعارات ومبادئ عامة لم تطبق بل طبقت بشكل عملي على أرض كربلاء".

وأشار إلى أن الحسين اعطى صورة نادرة لنبذ التمييز، إذ "اقترب من العبد جون عند استشهاده ووضع خده على خده، كما اقترب من ابنه علي الأكبر عند استشهاده ووضع خده على خده".

مبينا أن "الثورة الحسينية جاءت لإصلاح الواقع الموجود آنذاك، من أجل ان يعيش المواطنون في حياة يملؤها السلام والكرامة والعزة".

ونوه إلى نقطة حقوقية لم يشر أحد إليها من قبل، وهي ان عاشوراء حملت معاني نبذ التمييز ضد المرأة، "وذلك يتجلى في نشاط وقوة وقيادة السيدة زينب أخت الحسين، عندما حملت مبادئ الثورة معها، لتنقلها إلى الأجيال".

وعن ثورة الطف قال الكاتب جمال البنا في إحدى مقالاته "لم تكن ثورة الحسين - وهي إحدى جذور المأثور الشيعي - طلبا للحكم ولكن ثورة على الظلم. وتلاقت فيه خصيصتان من خصائص المأثور الشيعي: التضحية واستهداف العدل".

بعد استعراض آراء علماء الدين والنشطاء الحقوقيين، يبقى استثمار عاشوراء، للمطالبة بالحقوق الضائعة، بدلا من الاستغراق طويلا في التنظير الجميل

العدد 897 - الجمعة 18 فبراير 2005م الموافق 09 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً