العدد 897 - الجمعة 18 فبراير 2005م الموافق 09 محرم 1426هـ

حمزة الصغير ناعي كربلاء الشهير في البحرين

المواكب الحسينية مؤسسة قائمة بذاتها في الحياة الشيعية، إذ تشكل جانبا مهما في موسم عاشوراء من كل عام. ومن أبرز الأسماء اللامعة في مجال الرثاء الحسيني حمزة الصغير، الذي مازال صوته يتردد ليشجي الملايين، فمن هو حمزة الصغير؟

هو الشيخ حمزة بن عبود بن اسماعيل العبدي، ينتسب إلى عشيرة "بني سعد" العراقية، ولد في كربلاء العام 1921 "1341هـ". تتلمذ على يد أحد أساتذة الموكب المرحوم حمزة السماك، ولتمييزه عن أستاذه لقب بالصغير كما يقول سلمان هادي آل طعمة مؤلف "الموروثات والشعائر في كربلاء". اشتغل في بداية حياته خفافا، ثم أصبح صاحب مكوى. وكان يجتمع في حانوته عدد من الشعراء الشعبيين على رأسهم المرحوم كاظم المنظور الذي كان الصغير ينشد معظم قصائده في المواكب الحسينية.

الصغير في البحرين

زار حمزة الصغير البحرين مرتين في السبعينات، بعد محاولات دؤوبة لاستقطابه للمشاركة في مواكب العزاء.

بدأت القصة بمحاولة مأتم خلف تسيير موكب عزاء كبير، فأرسل الوجيه مرزوق أحمد المرزوق الحاج رضي القاري للاتفاق مع الصغير، وأعطاه شيكا مفتوحا لئلا يعود خالي الوفاض. وهناك حاول المبعوث العودة من رحلته مكللا بالنجاح، ولكن طلبه قوبل بالرفض، فكان مما قاله الصغير: "كيف أترك المشهد هنا وأترك مثوى رأس الحسين"؟ وكان أن عاد المبعوث البحريني كسير الخاطر.

في العام التالي، وقبل يومين من دخول شهر المحرم، فوجئ المرزوق باتصال هاتفي من المطار. وكان الصغير على الطرف الآخر، يخبره بأنه منع من الدخول، واتضح أنه لم يحصل على تأشيرة دخول، ويظهر أنه كان يجهل الموضوع، فقيل له انه القانون. وقام المرزوق بكفالته لمدة 72 ساعة، تم تجديدها عدة مرات ليكمل خمسة عشر يوما هي مجموع ما بقي في ضيافة أهل البحرين.

مع ذلك، ما كاد يستقر الضيف حتى سأله مضيفوه عن سر مجيئه هذا العام، بينما رفض المجيء قبل عام، فقال: إن أجري مدفوع، فقد جاءني نداء الضمير، لمشاركة أهل البحرين في عزائهم. وهكذا حل ضيفا في منزل الحاج عبدالرسول بن رضي، ليشارك في موكب عزاء مأتم حجي خلف بالعاصمة المنامة ليلا، ومأتم سيدمهدي المقابي في قرية مقابة عصرا. وكانت مشاركته على فترتين: الفترة الأولى بداية العشرة كان يقيم العزاء داخل المأتم، وبعد يوم السابع من المحرم يقود الموكب خارج المأتم. ولأن للعراقيين طريقتهم الخاصة التي تختلف في بعض تفاصيلها عن طريقة عزاء البحرين، فإنه كان يرتبك أحيانا أثناء المسير، فيأخذ آخرون بمساعدته، فيما يعتمد العراقيون على طريقة العزاء وهم واقفون في أماكنهم.

في العام الثاني عاد الصغير إلى البحرين، لينزل ضيفا هذه المرة على مأتم حجي عباس بالمنامة بالاتفاق مع مأتم الديه الكبير.

حمزة الصغير الذي كان يمثل قمة من قمم الموكب الحسيني، ترك وراءه تراثا كبيرا حافلا بقصيدة الرثاء، التي ستبقى طويلا في الذاكرة الشعبية، فمازالت أشرطته متداولة حتى اليوم على مستوى العراق ودول الخليج والشام. ومن الصعب أن ينسى الناس تلك المراثي الشجية الحزينة، التي تذكر بواقعة الطف، إذ تتناول كل منها جزءا من الملحمة الكبرى التي سطرها الفتيان الطالبيون في كربلاء. ومن أبرز هذه المراثي التي تستنزل الدموع: "يمه ذكريني"، "يا حبيبي يا حسين"، "يا ابن أمي على التربان"، "أهز مهدك يا عبدالله"، "أشوف المهد خالي"، "لو بيدي يا حسين". على أن من أكثر هذه المراثي تأثيرا وحضورا في الوجدان الشعبي، تصويره لإحدى اللقطات التاريخية للصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري وهو منحن على قبر الحسين الشهيد وهو ينادي "حبيب لا يجيب حبيبه"، في مرثية: "جابر يجابر"، وهي أول زيارة يسجلها التاريخ لأحد الصحابة الكبار لقبر الحسين. ولم يقتصر موكب حمزة الصغير على الجانب المأسوي، بل نراه يخاطب الضمير الانساني ويستنهض الهمم ويلامس شغاف القلوب في القسم الآخر من موكبه: "جينه ننشد كربلاء"، "احنه غير حسين ما عدنا وسيلة"، "يا حسين وهبت للعالم حياتك".

لم يكتب للصغير أن يزور البحرين ومشاركة اهلها في مواسم العزاء لأكثر من عامين، فبعد انتهاء رحلته الثانية قفل راجعا إلى بلاده، ولم تمر غير ستة أشهر حتى توفاه الله، بعد إصابته بمرض السرطان في الأنف. رحل الصغير، ولكن بقي تراثه الشجي الحزين يردده الملايين كلما حل موسم الفاجعة وتجدد الحزن التاريخي من جديد

العدد 897 - الجمعة 18 فبراير 2005م الموافق 09 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً