أمضى لبنان يومه أمس الأول في الشارع في بيروت، وشعبه هائم على وجهه، تشتعل عاصمته بالغضب العارم، ولكنه غضب لا يخفي الانكسار: لقد خسرت بيروت رجلها. أحب بيروت حتى عمرها، لكنها أحبته حتى "الجنون" فدفنته في وسطها! إنها التراجيدية العربية... تحبني؟! إذا مت لأحيا!
14 فبراير/ شباط، هو عيد الحب "الفالنتاين" الذي يعارض الكثير في الدول العربية الاحتفال به كونه لا يمت لعالمنا العربي بصلة، لكنه هذا العام بدأ يخصنا كعرب، فالحريري الذي قتل في هذا اليوم أوجد لنا سببا لنحتفل به "فالرجل أحب بحق فذهب فداءا لمحبوبته".
لم تكن للجماهير الهادرة التي شيعته أمس الأول، والتي تدفقت من أنحاء لبنان كافة، لتتلاقى حول نعوش الحريري، قيادة جامعة ولا كان لها شعار تتوحد من حوله غير "النقمة" وغير "السخط" وغير الشعور بافتقاد الطريق إلى الغد... أي غد! إذ لا شيء كان عاديا في الوداع اللبناني والعربي والدولي للشهيد. لكن الوداع بدا كأنه إصرار على بقاء وطن وشعب.
الآن وبعد أن دفن لبنان "شهيد الحب"، جاءت لحظة الاستدراك والتصحيح وبسرعة. العلة في المعادلة المختلة معروفة. فالبلد مقسوم بعمق. والمناخ الذي أفرزته القسمة هو المسئول بالنهاية. ولا يخفف من هذه المسئولية حتى لو اكتشف لاحقا أن أيادي خارجية معادية دبرت ونفذت تلك الجريمة. فلولا ذلك المناخ لما كان بامكانها التسلل إلى داخل البيت وتلغيمه بهذه الصورة المميتة.
وإذا كان مكمن الخلل معروفا، عندئذ يصبح من المتوجب أن يسارع المعنيون إلى المبادرة في اتخاذ الجرعات العلاجية المطلوبة، مهما كانت موجعة وقاسية، لوقف اندفاع البلد نحو الهاوية، ثم رده إلى سكة الوضع السوي، ومن دون تأخير
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 896 - الخميس 17 فبراير 2005م الموافق 08 محرم 1426هـ