وجدت "إسرائيل" في التصريحات التي اطلقتها المعارضة في لبنان وتحميلها الدولتين السورية واللبنانية مسئولية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري منفذا لحملتها الرعناء ضد سورية وصلت حد المطالبة بما اسمته بوجوب معالجة أمر سورية، وحث الاتحاد الأوروبي ان يشمل حزب الله اللبناني في قائمة الارهاب.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم وجه اليوم اتهاما مباشرا الى سورية زاعما انها تقف وراء اغتيال الحريري أمس ونقلت الإذاعة الاسرائيلية العامة عن شالوم قوله ان اغتيال الحريري هو اثبات على التأثير السلبي لسورية على لبنان وان عملية القتل تشير الى محاولة سورية لتقويض الاستقرار في المنطقة والمس ببراعم الديمقراطية في الدول العربية.
وقالت الاذاعة الاسرائيلية ان شالوم الموجود حاليا في فرنسا ادلى بتصريحاته هذه أمام لجنة الخارجية والدفاع والقوات المسلحة في البرلمان الفرنسي وايضا أمام الجمعية الوطنية الفرنسية.
وكان شالوم يتحدث عن ضرورة ادخال حزب الله الى قائمة المنظمات الارهابية للاتحاد الأوروبي على حد ما أفادت به الاذاعة الاسرائيلية.
أما وزير الجيش الاسرائيلي شاؤول موفاز فقد زعم ان عملية اغتيال الحريري نفذتها منظمة ارهابية موالية لسورية وان المعلومات المتوافرة لديهم اليوم تفيد بأن هذه المنظمة مدعومة من قبل السوريين.
ونقل موقع "يديعوت أحرونوت" الاسرائيلي عن موفاز قوله ان اغتيال الحريري هو عمل عن سابق اصرار. وزعم موفاز الذي كان يقوم بجولة على القواعد العسكرية في شمال "إسرائيل" ان هذه المنظمة ارادت قتله "أي الحريري" لأنه كان يعارض الوجود السوري في لبنان وان سورية تمارس الارهاب ليس في لبنان فحسب وانما في العراق ايضا ضد قوات التحالف.
وشدد موفاز في أقواله على ان سورية هي دولة داعمة للارهاب وتدعم حزب الله معربا عن امله بان يتعزز امكان قيام وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي بشمل حزب الله في قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الارهابية على خلفية هذه التطورات المتمثلة باغتيال الحريري.
وكانت الصحف الاسرائيلية الصادرة صباح اليوم امتلأت بالتحريض على سورية وتوجيه اصبع الاتهام اليها بزعم وقوفها وراء جريمة الاغتيال إذ وجدت هذه الصحف في التصريحات التي اطلقتها المعارضة في لبنان وتحميلها الدولتين السورية واللبنانية مسئولية الاغتيال منفذا لحملتها الرعناء ضد سورية وصلت حد المطالبة بوجوب معالجة أمر سورية.
وقادت صحيفة "يديعوت احرونوت" حملة التحريض ضد سورية خصوصا وزعمت ان "إسرائيل" وابواقها الاعلامية وحدهم الذين يحق لهم توجيه الاتهامات واعتبرت ان توجيه اصبع الاتهام الى "إسرائيل" وتحميلها مسئولية جريمة الاغتيال "وقاحة سورية".
وكتب غاي بيخور وهو استاذ جامعي يصف نفسه بـ "المستشرق" ومعروف بمواقفه العدائية تجاه كل ما هو عربي، ان الرئيس السوري بشار الأسد اصبح اليوم العامل الذي يقوض استقرار الشرق الاوسط.
وعلى رغم ان "إسرائيل" تحتل الأراضي العربية الفلسطينية والسورية واللبنانية لكن بيخور يرفض الاعتراف بهذا الواقع ويرسم واقعا مغايرا يجعله يفضي في نهاية المطاف الى زعمه ان سورية تقوض الاستقرار من خلال قلب الحقائق رأسا على عقب، فسورية تدعم حزب الله وترفض نزع اسلحته، وسورية تقوم بخطوات من خلال مقرات حماس والجهاد في دمشق، وتتدخل في محاولات "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية لجعل وقف اطلاق النار الهش غير مستقر وسورية ضالعة في الارهاب السني في العراق الذي أسفر عن مقتل المئات.
وانتهى بيخور الى الدعوة لإشعال المنطقة وشن حرب ضد سورية وكتب ان اغتيال الحريري ورفض سورية الاستجابة الى كل مطلب دولي لا يبقي أمام العالم خيارات دبلوماسية كثيرة وعلى الولايات المتحدة ان تدرس امكان استخدام القوة لردع النظام السوري لتكون عبرة لغيرها من الدول العربية التي ترفع رأسها ضد الهيمنة الاسرائيلية اولا ثم الأميركية في المنطقة، وربما بهذه الطريقة يمكن تحقيق الاستقرار في العراق والسلطة الفلسطينية ولبنان.
من جانبها، كتبت مراسلة الشئون العربية في "يديعوت احرونوت" سمدار بري مقالا اتهمت فيه سورية بالمسئولية عن اغتيال الحريري. وقالت ان دموع التماسيح لبشار الأسد لن تشفع له وزعمت ان الرئيس السوري هو الذي اغتال أكبر معارضيه وهو المتهم والخاسر الأساسي.
وقالت ان ثمة ركن إسرائيلي للاغتيال في بيروت وزعمت انه كان للحريري اتصالات، على رغم انها قليلة، وفي الغالب بواسطة جهة وسيطة، مع شخصيات عندنا في "إسرائيل" وان الحريري زود "إسرائيل" بالأساس نظرة الى ما يحدث في دمشق وايضاحات عن شخصية الرئيسين حافظ وبشار الأسد.
وخلافا لأقوال الحريري نفسه قبل اغتياله بيوم واحد لصحيفة "السفير" اللبنانية ادعت الصحافية التي تنطق ببوق الدعاية ووحدة الحرب النفسية الاسرائيلية ان الوصية التي تركها الحريري تهدف الى قيادة لبنان الى الانسلاخ عن سورية والذهاب الى مفاوضات منفصلة مع "إسرائيل" وتوقعت بري ان حربا ستنشب في لبنان في المستقبل القريب وخلصت الى ان عودة انعدام الهدوء الى جارتنا في الشمال ستدخل "إسرائيل" ايضا في حال تأهب.
كما نشرت صحيفة "معاريف" مقالا بقلم رئيس قسم الشرق الأوسط في جامعة تل ابيب والخبير في الشئون السورية البروفيسور ايال زيسر الذي افتتح مقاله بالحديث عن اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس الأسد والحريري قبل بضعة شهور وكان وقتها الحريري مازال رئيسا للوزراء وادعى زيسر ان الرئيس السوري هدد الحريري بانه إذا استمر في معارضة الخطوات السورية في لبنان فيما يتعلق بتمديد ولاية الرئيس اللبناني اميل لحود فإن السوريين سيكسرون عنقه.
وأضاف الاستاذ الجامعي الخبير في الشئون السورية في مقاله الذي جاء وسط بحر من التحريض على سورية انه بعد أشهر معدودة فقط بعد توجيه سورية التهديد له لقي الحريري مصرعه في انفجار غامض بسيارة ملغومة مرت قافلته بقربها لكن الباحث الاكاديمي زيسر لم يتفق مع أجواء الحرب التي تبثها المؤسسة الحاكمة الاسرائيلية من خلال وحدة الحرب النفسية في الجيش الاسرائيلي عبر ابواق دعايتها الصحافية وكتب زيسر أنه على رغم ان جميع الخيوط تقود الى دمشق فإنه من الصعب التفكير بأن السوريين هم الذين يقفون وراء الاغتيال.
وأضاف: صحيح انه كان للسوريين كل الأسباب في العالم للقضاء على الحريري وعلى رغم انه لم يبرز كمن يقف على رأس معسكر معارضي سورية في لبنان، لكنه ترك هذه المهمة لخصمه وصديقه وليد جنبلاط زعيم الدروز في الدولة على رغم ذلك، فإن الحريري قام بهدوء كامل خلال الأشهر الماضية بدور مركزي في بلورة المحور الأميركي الفرنسي لإصدار قرار 1559 في مجلس الأمن في شهر سبتمبر/ ايلول الماضي وهو القرار الذي يدعو الى سحب القوات السورية من لبنان، من خلال علاقاته الحميمة مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك.
وتابع زيسر انه في الماضي كان السوريون يمسون بكل من تجرأ على رفع يده أو صوته ضدهم في لبنان غير ان هذه ليست فترة عادية بالنسبة الى دمشق، فسورية تخضع اليوم لضغوط دولية غير مسبوقة، وخصوصا لضغط أميركي وفرنسي يتمتع بدعم دولي واسع وهي تخضع ايضا لتهديدات واتهامات واشنطن بشأن ضلوع السوريين في عمليات ارهابية في العراق وفي صفوف الفلسطينيين في لبنان، واخيرا فإن سورية تبذل جهودا حثيثة من أجل الاندماج في العملية السياسية الجارية في المنطقة خشية ان تبقى في الخلف.
وأوضح أنه في ضوء ذلك اختارت سورية ان انتهاج سياسة متصالحة في صلبها استعدادها للتحدث مع اسوأ اعدائها في الحلبة اللبنانية وحتى التلميح باستعدادها للقيام بخطوات لإرضاء فرنسا والولايات المتحدة، مثل بث شائعات بخصوص نيتها سحب قواتها من لبنان مبينا ان عمليات اغتيال مجلجلة بحق رئيس وزراء لبنان السابق تتعارض إذا مع المصلحة السورية فمن شأن عملية كهذه ان توجه النيران نحو دمشق وتركز انظار العالم مجددا على الحلبة اللبنانية، وزيادة وليس تخفيف الضغوط على سورية لسحب ايديها من لبنان كذلك فإن تقويض الاستقرار لا يخدم السوريين إذ من شأنه الحاق اضرار بمصالح دمشق الاقتصادية والسياسية في هذه الدولة.
وبعد ان ابعد البروفيسور زيسر الشبهات عن سورية تساءل: "اذا لم يكن السوريون هم الذين يقفون وراء اغتيال الحريري فمن الذي يقف وراءه؟" وأجاب: من الصعب الاشارة الى جهة قوية داخل لبنان لديها مصلحة مباشرة وواضحة في اغتيال الحريري ويبدو ان عملية الاغتيال هذه ستنضم الى سلسلة طويلة من عمليات القتل بحق قياديين لبنانيين والتي لم يتم التوصل الى مرتكبيها.
ولعل مقال زيسر يفتقر الى وصف قوة التفجير الهائلة وأسلوب العملية التي أشار الكثيرون الى ان منظمة صغيرة وغير معروفة بتاتا لن يكون بإمكانها تنفيذ مثل هذه العملية التفجيرية بهذا الحجم وبهذه الدقة وحتى ان هناك من أكد ان بإمكان أجهزة استخبارات خبيرة بأعمال الاغتيال فقط اقتراف مثل هذه الجريمة وعلى رغم ذلك قال زيسر: "في جميع الأحوال فإن سورية هي التي ستدفع ثمن الاغتيال على رغم انها في الواقع لا تقف وراءه"
العدد 896 - الخميس 17 فبراير 2005م الموافق 08 محرم 1426هـ