العدد 896 - الخميس 17 فبراير 2005م الموافق 08 محرم 1426هـ

الحريري وقصة تخريج 33 ألفا ما بين طبيب ومهندس ومحام

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

عندما رأيت جسد الرئيس الحريري متفحما شعرت بالمهانة العربية وبالانكسار أيضا فقلت في نفسي: هذا قدر من يتعب لأجل العرب ومن كان قلبه مسكونا بحلم الإعمار والتنمية. .. وليس ذلك إنشاء. فبيروت تحولت إلى قطعة رخامية ملونة... في شوارعها، في مبانيها في عمرانها... ومن زار بيروت بعد الحرب وقبل الحرب يجد المفارقة وهنا أردد ما ردده نزار قباني "متى يعلنون وفاة العرب؟"... لست شعوبيا ولكني أكره ذلك التفكير الجامد والغبي والجبان... وتلك هي الحقيقة أننا قوم لا نقدر الآخرين ولا نعرف إيجابياتهم إلا عندما يقتلون أو يرحلون. في مقابلة للحريري نشرت في صحيفة عربية سنة 1995 حاوره فيها غسان شربل سأله: كم عدد الذين يعملون في مؤسسات تابعة لك في العالم؟ فأجاب: 25 ألف شخص. وسأله عن المنح الدراسية والمؤسسات الاجتماعية، فأجاب: لدينا برنامج خاص بالمنح الدراسية والمساعدات التربوية والاجتماعية والمؤسسة تتابع عملها.

هل هناك رقم تقديري لنفقات عملية تعليم الطالب؟

- بين الذين تخرجوا والذين يتابعون دراستهم حاليا والشئون الاجتماعية ومشروع كفر فالوس هناك مئات الملايين من الدولارات أنفقنا ما يمكن ان يصل إلى مليار دولار على الموضوعات التي أشرت إليها، مساعدات طبية وتربوية واجتماعية وكثير منها لم يعلن. حتى العام 1993 تخرج 12 ألف طالب جامعي وهناك من دخل وخرج وهناك من يكمل حاليا. طبعا تغير الإحصاء فعددهم بلغ حتى هذا العام 2005 إلى 33 ألف خريج جامعي ما بين طبيب ومحام ومهندس وتلك هي المفارقة أن هذه الإضاءة للحريري لم يسلط عليها الضوء إلا بعد استشهاده.

سأله المحاور هل هؤلاء الخريجون ينتمون إلى حزب رفيق الحريري؟ فأجاب: انهم ينتمون إلى حزب لبنان. فهم من مختلف الطوائف والمناطق والغالبية العظمى منهم لا أعرفهم.

ما نقاط ضعفك؟

- انني غني، فالغني يسهل تشويه صورته.

الحريري بدأ حياته من الصفر وعمل مدرسا للرياضيات ومحاسبا إلى ان فتح الله عليه عبر دخوله في التجارة. في سنة 1979 أنشأ المؤسسة الإسلامية للثقافة والتعليم العالي في صيدا كما أنشأ مؤسسات عدة منها المجمع الثقافي والطبي في كفر فالوس الذي يتكون من مستشفى وكلية طب ومدرسة مهنية وثقافية ورياضية.

هذه بعض إضاءات الحريري ولم تظهر بصورة فاقعة إلا بعد مماته، ويبقى السؤال: لماذا اغتيل رجل الإنماء في لبنان ورجل الإعمار ورجل التصالح؟ فقد عبر عنه السيدحسن نصر الله، قائلا: "ان الشهيد رفيق الحريري كان جسر التواصل بين الموالاة والمعارضة والدولة... كنت أجتمع معه في الأسبوع على أقل التقادير مرة واحدة، ورفقاؤه يعلمون ذلك، للتباحث في قضايا لبنان".

دعونا من السياسة ولنر جانب تدريس اللبنانيين، هل نعلم معنى تخريج 33 ألف متخصص في أفضل الجامعات في جميع مجالات العلم والحياة في لبنان وماذا يعني تأثيرهم في مستوى العمران في لبنان والعالم العربي؟

الأنظمة العربية عرفت بأنها أنظمة قديرة على تفريخ المخبرين لذلك في الغرب الجامعات تتطور وفي العالم العربي يوازيها تطور دوائر المخابرات والمباحث وأساليب القمع وانتهاك الحريات. رحيل الحريري خسارة كبرى للبنان بالدرجة الأولى وللعالم العربي بالدرجة الثانية حتى من يحملون تحفظات على سياسة الحريري الاقتصادية لهم حرية النقد لكن في المقابل الحريري أفضل من آلاف الأشخاص من رجال الأعمال والتجار والحكومات، فهناك ديناصورات المال والقطط السمان ممن أصبحوا كالمناشير "طالع ماكل نازل ماكل" حتى قطعة الخبز للفقير يزاحمونه فيها وليس لهم أي دور في بناء مؤسسات اجتماعية أو طبية أو إرسال طلاب للدراسة في الخارج همهم التكويش على الأخضر واليابس في حين نجد الحريري أعطى جزءا من ثروته لتعليم فقراء الناس والمعوقين وبناء جامع هنا ومدرسة هناك، وقد حول بعض مناطق لبنان وخصوصا الجنوب إلى منطقة عمرانية وباسمه كسب المستثمرين من الخليج والغرب. عندما سقط الحريري على الأرض بكت عليه لبنان وليس غريبا ان يخرج عشرات الآلاف لتوديعه ومن يريد ان ينصف الجوانب المضيئة للرجل فليسمع خطبة السيدحسن نصر الله قبل ثلاثة أيام ماذا قال عن الحريري. لكل إنسان أخطاء وإيجابيات وكي نكون منصفين يجب عندما نذكر الأخطاء ألا ننسى إيجابيات الإنسان. والسؤال: هل يستحق الحريري هذه النهاية بعد كل ما قدم؟ تذكرت وهو ملقى على الأرض قصيدة نزار قباني التي كتبها في جمال عبدالناصر وهي تنطبق على الحريري:

تركناك في شمس "بيروت" وحدك

وتعرى وتشقى وتعطش وحدك

ونحن هنا نجلس القرفصاء

نبيع الشعارات للأغبياء

ولحشو الجماهير تبنا وقشا

ونتركهم يعلكون الهواء.

كتاب "جمال عبدالناصر... الزعيم في قلوب الشعراء

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 896 - الخميس 17 فبراير 2005م الموافق 08 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً