العدد 896 - الخميس 17 فبراير 2005م الموافق 08 محرم 1426هـ

ثورة ترتيب للحياة

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لم تكن الثورة في يوم من الأيام ضربا من النزهة. .. ربما تكون نزهة في الطريق الى الله... والمؤمن الواثق يظل حتى الموت له بمثابة نزهة تطهره من عناء خلل ينتاب الحياة، لكنها بمقياس البشر الذين يضجون بحالات الضعف وملكات الإغراء، ضرب من الزلزلة وخيار مر ومحاولة - لدى كثير منهم - لكتابة بيان الثورة على الماء أو التراب في يوم عاصف!

لا تبرز الثورة كضرورة أو خيار أخير إلا حين تشوه الصورة الحقيقية لمغزى الحياة، وحين تصبح مسايرة الأوضاع الفاسدة تورطا عميقا ومباشرا في مجمل التجاوزات والخروقات التي تعمل عملها في إرباك الحياة والناس، وتمهد إلى كتابة تاريخ ينقحه المال وتعيد صوغه الجوائز، ويقصي آخرين بالوعد ويقحم آخرين بالوعيد.

الثورة الواعية لأهدافها تحمل جرعات من اليقين بأن انفلات الأمور وتراكم المظالم وشيوع التجاوزات تسهم جميعا في إرجاع الإنسان الى بدائيته، وينعدم مع ذلك الإرجاع عنصر التفضيل والإعلاء والتمييز بينه وبين بقية المخلوقات... يصبح الإنسان شيئا كبقية الأشياء ومتاعا يخضع لمعادلة العرض والطلب. وحين تبلغ الأمور ذلك المبلغ، يتأكد لدى الممسكين بأقداره في لحظة غفلة ونشوة زائفة أنهم أكثر من ظل لله على الأرض وأكثر من خلفاء له!

ترتيب للحياة هي من بعد فوضى... وإعلاء لها من بعد تناسل الهوات والمنحدرات... وبيان بليغ من بعد خرس وصمم وعمى... وحركة وعنفوان من بعد كساح ينتاب تفاصيلها.

أي ثورة يطغى فيها هم الفرد على هم المجموعة هي بلا شك مشروع آخر لتأبيد اختلال الأوضاع وإرجاع لصور تجاوزاتها وخروقاتها في صورة واهمة أنها معدلة. الثائر يذهب وهو متيقن أن جزءا من كيانه سيكون وقودا في محرقة الثورة، ليضيء به مع آخرين الجانب المعتم من الحياة

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 896 - الخميس 17 فبراير 2005م الموافق 08 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً