لم يعد من المناسب، أبدا، لوزارة التربية والتعليم - ممثلة بإدارة المناهج، في العهد الإصلاحي الذي دشن حياة جديدة، وأحيا آمالا كانت في عداد المستحيلات قبل بضع سنوات - أن تستمر حال مفردات وموضوعات مقررات الإنسانيات واللغة العربية على ما كانت عليه في فترة ما قبل العهد الإصلاحي.
لا تتحقق أولى أبجديات الإصلاح إلا بالتصالح الحقيقي مع المكون الرئيسي لتاريخ هذا الشعب الذي عانى قرونا متمادية من آثار الظلم والإقصاء والتهميش. ولا ريب أن المساحة الكبرى من ذاكرة شعبنا في التاريخ والثقافة والفن والإبداع لم تتشكل إلا من خلال الارتباط العميق والوجودي بأهل بيت العصمة والطهارة، وعلى وجه الخصوص بعاشوراء أبي الضيم الإمام الحسين "ع". ويحتفظ لنا تاريخ الأدب في بلادنا بعشرات بل مئات النصوص والمواد الإبداعية الفائقة التي قدمت - بالإضافة إلى ما قدمته الشعوب العربية الأخرى - أدبا شكل مجرى خاصا في نهر الأدب العربي العظيم، يصح لنا نظرا إلى ما يتمتع به من خصائص - تمظهرت في مادته، ويكاد يكون قد انفرد بها في بعض الأحيان- في مجال اللغة والصورة والتشكيل النفسي والموضوعي وخطابيته الخاصة، أن نطلق عليه "الأدب الحسيني".
ومهما يكن رأي الباحث والأديب في هذه المادة الأدبية، إن أراد البحث في ذاكرة ووجدان هذا الشعب، فلا يمكن له إغفال هذا الجانب من الناحية العلمية. ومعنى ذلك أنه يتجاوز حقائق تاريخ هذا الشعب، ويقفز على خصوصياته التي شكلت هويته ومنحتها مميزاتها المعروفة.
وعودا على بدء، فإنه من الغريب والمؤلم في الوقت نفسه، أن تكون المادة التعليمية التربوية التي تقدم لأبنائنا طيلة هذه العقود، تمارس الإقصاء والتغييب بصورة فجة، وتتسم باللامبالاة - على أحسن الأحوال - تجاه ما أنتجه شعبنا من مادة أدبية ممتدة.
وكيف لنا أن نقبل بتغييب ونفي ذاكرة هذا الشعب التي صنعتها عاشوراء الحسين "ع"، فلا نقع على أي ذكر لها عبر نص شعري أو سردي؟!
وما لنا لا نقرأ نصوص شعراء من أمثال السيد عبدالرؤوف الجدحفصي وأبي البحر الخطي والدمستاني، وغيرهم ممن كتبوا في هذا المضمار؟!
وأنى لمن وضع مفردات المادة الأدبية في كتب اللغة العربية بوزارة التربية بتجاهل تاريخ هذه المادة وإشكالياتها وملابساتها ومدى تأثيراتها على تشكيل راهن الشعرية ومادة "الحداثة"، والحال أن سياقات الشعرية المعاصرة في البحرين مرتبطة ومتصلة بمادة "الشعرية الحسينية" الممتدة والمتنامية.
نقول هذا ونحن نعلم تمام العلم أن الإصلاح كي يكون حقيقيا وجادا لابد له من معاناة ذاكرة شعبنا، وإفساح المجال له كي يرى آثار ذلك جلية وصريحة في مختلف المواقع.
ليتحقق ذلك... أو لن يكون "الإصلاح" إلا مجرد شعارات ومظاهر، أما على صعيد الواقع والحقائق فيستمر التجاهل، ويتعاظم مد الإقصاء والنفي والتهميش
العدد 895 - الأربعاء 16 فبراير 2005م الموافق 07 محرم 1426هـ