في خطوة مفاجئة -لي على أقل تقدير- قررت الحكومة المصرية عدم إقامة أي احتفالات بمناسبة مرور ثلاثين عاما على اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري السابق أنور السادات مع الصهانية مقابل تخليهم عن سيناء باعتبارها أرضا مصرية ومقابل -أيضا- تطبيع متدرج مع الصهانية؟ سياسيا واقتصاديا وثقافيا.
يبدو أن الحرب الأخيرة على غزة وكذلك التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الجديد «أفيغادور ليبرمان» التي دعا فيها إلى تدمير السد العالي، وقوله عن الرئيس حسني مبارك عندما رفص زيارة «إسرائيل»: «ليذهب إلى الحجيم» هي التي جعلت الحكومة المصرية تتوقف هذا العام عن الاحتفال بتلك المناسبة التي أصفها بـ»المشؤومة» وكنت أتمنى أنها لم تقع - أصلا - فضلا عن الاحتفال بها كل عام على رغم المآسي الكثيرة التي أصابت العرب بسببها، بينما كان الصهاينة وحدهم هم المستفيدون من هذه الاتفاقية.
تطبيع العلاقات المصرية الصهيوينة جعلت بعض الدول العربية تجاري مصر فأقامت علاقات كاملة مع «إسرائيل» والبعض أقام علاقة جزئية بانتظار ما قد يحدث، والكل كان يرى في مصر قدوة له باعتبارها الدولة العربية الأكبر بالإضافة إلى أنها هي التي بادرت إلى القيام بعملية التطبيع.
في ظني أن هذه الاتفاقية همشت الدور المصري إلى درجة كبيرة، فلم تعد هي مصر الشيء التي عرفها العرب أيام جمال عبدالناصر ولا في بداية عمر السادات، ولم نعد نرى لها أي تأثير يذكر على الأحداث التي تجري في المنطقة العربية وخاصة إذا كانت «إسرائيل» طرفا فيها.
الصهانية - كما قلت - استغلوا هذه المعاهدة لصالحهم فعاثوا في البلاد العربية فسادا وهم آمنون، فمصر لم تعد قادرة على فعل شيء بحكم معاهدتها مع «إسرائيل»، ثم أصبحت الأردن كذلك، وسورية هي الأخرى لم تتحرك بصورة عملية للدفاع عن القضايا العربية ولاسيما في فلسطين ولبنان.
الصهانية في ظل تلك المعاهدة غزوا بيروت العام 82 م وعاثوا فيها فسادا، ولم تستطع مصر أن تفعل شيئا، ثم غزوا بيروت العام 2006 ودمروا كثيرا كما قتلوا الكثير أيضا، وفعلوا في غزة أكثر مما فعلوه في بيروت، ومع أهمية غزة بالنسبة لمصر إلا أنها مع ذلك وقفت عاجزة عن اتخاذ قرارات حاسمة وكل ذلك بسبب تلك المعاهدة كما يقولون.
الصهانية وفي ظل تلك المعاهدة التي لم يطبقوا منها شيئا استولوا على آلاف الفدادين من أراضي الفلسطينيين، كما أقاموا عشرات المستوطنات على الأراضي الفلسطينية ومازالوا يفعلون ذلك، ولا أعتقد أنهم سيتوقفون عن أفعالهم في الظروف الحالية التي يمر بما العرب.
وفوق هذا فإن مدينة القدس ومسجدها «الأقصى» مهددان بالزوال، فالمدينة يريدها الصهاينة عاصمة لهم، ويريدونها خالصة لشعبهم، ولهذا فهم يعملون على إخلائها من كل سكانها الأصليين. أما المسجد الأقصى فقد تعرض -ولايزال- لعمليات هدم وحرق لتتم أزالته في النهاية بذريعة أن هيكل سليمان قائم تحته.
اتفاقية كامب ديفيد كانت في رأي الحكومة المصرية آنذاك نهاية المطاف لكل أشكال الصراع بين العرب والصهاينة، لكن هذا لم يحدث على الإطلاق، بل ازداد الصهاينة في جرائمهم ضاربين بكل بنود الاتفاقية عرض الحائط بينما بقيت حكومة مصر متمسكة بها من دون أي مبرر لذلك.
ويطرح إخواننا المصريون سؤالا: هل تريدون من مصر أن تبقى في حالة حرب دائمة مع «إسرائيل»؟ إن مصر عملت الكثير من أجل فلسطين وأهلها على حساب شعبها... أليس هذا كافيا! أين العرب الآخرون ولماذا لا يقومون بواجبهم؟
وللحقيقة فإن مصر قامت بأعمال جليلة وكبيرة من أجل فلسطين وأهلها ولا يجادل في ذلك أحد... وأيضا من حق الشعب المصري أن يرتاح من الحروب المتلاحقة التي خاضها... كل ذلك صحيح ولكن هل يتم ذلك عبر اتفاقية مشوهة لم تخدم مصر في شيء؟ وهل سيتحقق السلام لمصر من خلال هذه الاتفاقية؟
مصر عليها مسئولية تتناسب مع مكانتها العربية فإن هي لم ترد أن تكون في مكانها الطبيعي فلا أقل من التخلي عن تلك الاتفاقية التي لم يلتزم بها الصهاينة على الإطلاق... ومعروف أن تركها لا يعني إعلان حرب ولا أي شيء من ذلك على الإطلاق! هذه فنزويلا قطعت علاقتها مع الصهاينة ولم تقم حرب بينهما! ومثل ذلك المغرب مع إيران، والأمثلة كثيرة فلماذا لا تفعل مصر الشيء نفسه مع الصهاينة ما دام أنه ليس في مصلحتها الاستمرار في علاقة لا يستفيد فيها إلا العدو المشترك لمصر وللعرب جميعا!
المسئولية ليست محصورة على مصر فكل الدول العربية مطالبة بوقفة جادة وصادقة ضد الأطماع الصهيونية ليست في فلسطين وحدها بل في أجزاء أخرى من المنطقة العربية، وهذه الأطماع يتحدث عنها الصهاينة، وتاريخهم لا يخفيها فهل يستمر الصمت العربي حتى يحقق الصهانية طموحاتهم في بلادنا.
وفي ظل حيادية مصر برز الدور الإيراني والتركي، وكنت أتمنى أن مصر هي التي يبرز دورها وتكون الفاعلة الأقوى على الساحة العربية... ولكن...!
وأخيرا... كنت أتمنى أن خارجية مصر منعت سفيرها في تل أبيب من حضور الاحتفالية التي أقامتها الجامعة العبرية بمناسبة الاتفاقية المشؤومة... ومازلت أتمنى أن تمنع مصر وزير خارجية الصهاينة الذي أساء إليها من دخول مصر حتى يعتذر -وهذا هو الحد الأدنى- أسوة بما فعلته مع بعض قيادات «حماس» التي قالت إنهم انتقدوا مصر رزق هائل بين هؤلاء وبين الصهانية، وفرق هائل -أيضا- بين ما قاله الصهيوني وما قاله الحمساوي... هل تفعلها مصر، وهل تعيد النظر في تلك الاتفاقية؟ أتمنى ذلك.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2398 - الإثنين 30 مارس 2009م الموافق 03 ربيع الثاني 1430هـ