العدد 2398 - الإثنين 30 مارس 2009م الموافق 03 ربيع الثاني 1430هـ

تجسّسوا على الناس... تفلحوا!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الحديث الشريف: «قولوا لا إله إلا الله تفلحوا»... أما بعض الناس اليوم فيقولون: «تجسّسوا على الناس تفلحوا»!

هذا آخر ما تفتقت عنه بعض الفلسفات الرجعية لتمرير مشاريع استباحة حرمات الناس وأسرارهم وحياتهم الخاصة بما يخالف بنود الدستور. وهو ما يشرّع الباب على مصراعيه للتطفّل على مكالماتهم الهاتفية ومراسلاتهم الإلكترونية والبريدية و(عيني عينك)، وكأننا دولةٌ لا يحكمها قانون ولا دستور ولا أخلاق ولا مبادئ إسلامية تحرّم التجسّس والتنصت وتتبع أسرار الناس.

القرآن الكريم يقول بالحرف الواحد في سورة الحجرات: «ولا تجسّسوا ...»، في نهي واضحٍ وصريحٍ عن هذه الخطيئة، التي يمكن أن تحوّل شعبا كاملا إلى متهمٍ ومشبوه، وبعض قصار النظر يردّون على القرآن المحكم... بترديد مثلٍ شعبي ركيك: «لا تبوق لا تخاف»!

لغويا... التجسّس مأخوذ من «الجسّ»، وهو البحث عن أسرار الآخرين بوسائل خفية ومجهولة، ومن يقوم بهذه المهمة القذرة فهو «جاسوس»، أما المجسّ فهو القرن المتحرك في رأس الحشرات... ولذلك استعار العامّة مرادفا آخر من عالم الحيوانات المؤذية وهي «القراريص»!

لكل إنسان حياته الخاصة وشئونه التي لا يحب أن يطّلع عليها أحد، سواء مع زوجته أو خطيبته أو أصدقائه أو من يتصل بهم في حياته اليومية، والتلميح بكل (قواية عيون) إننا نراقبكم من قبل وليس هناك من جديد، أمرٌ مخجلٌ ومعيبٌ يصعب ابتلاعه.

لكل إنسانٍ حياةٌ خاصة، وأفكارٌ وآمالٌ وتطلعاتٌ خاصة، من حقّه تماما الاحتفاظ بها لنفسه بعيدا عن معرفة الآخرين، أفرادا أو هيئات أو قراريص، ولا ندري بأي وجهٍ تنتزع هيئةٌ ما لنفسها، حقّ انتهاك هذه الخصوصية، دون حاجةٍ إلى قانونٍ أو تشريع كما تدّعي؟

للناس حرماتٌ يجب أن تُصان حتى في الدول غير الديمقراطية، ولا يبرّر لك انتهاك حقوق مواطنيك إذا كانت أميركا أو بريطانيا أو بلجيكا أو حتى موزمبيق تنتهك حقوق مواطنيها وتتجسّس عليهم.

ثم إن شركات الاتصالات تتحدّث اليوم عن ارتفاع عدد مستخدمي النقال إلى ما يتجاوز مليون و370 ألف زبون، في بلدٍ تعداده الرسمي مليون و47 ألفا، (ربما العدد أكبر الآن بفضل سياسة الـ...)! وكل شركةٍ تتفاخر بأن (الزود) عندها، فهل تلك الهيئات قادرةٌ فعلا على التجسّس على كل هذه الخطوط؟ وماذا عن الخطوط الثابتة في المنازل والشركات ومؤسسات القطاع الخاص؟ وماذا عن الإيميلات والمواقع التي يزورها متصفّحو الإنترنت في الليل والنهار؟ كل ذلك من أجل ماذا؟ لمعرفة ما يفكّر به المواطن؟ ألهذه الدرجة أصبحت أفكاره مهمة؟

في مذكرات المستشار تشارلز بلغريف، يقول إنه عندما دخلت خدمة الهاتف البحرين، كان هناك رجلان يعملان على البدّالة، ولأن الأجهزة بدائية كانا يستمعان إلى كل المكالمات ويعرفان أسرار كل الزبائن! وأحيانا يتدخلان للرد على الزبون عندما لا يرد عليه الطرف الآخر، فيخبرانه بأن الحاج فلان مثلا خرج من البيت إلى السوق الآن، وقد سمعت ذلك في المكالمة الأخيرة، أو أن التاجر سافر قبل ثلاثة أيام ويعود بعد أسبوعين!

اليوم... سيكون لدينا نظام اتصالات أكثر كفاءة وتطورا في تتبّع أخبار كل المواطنين، وتسجيل كل المكالمات والبصبصة على الإيميلات والمواقع الإلكترونية التي يزورونها، والاحتفاظ بها لمدة ثلاث سنوات... عساكم على القوة ويعطيكم ألف عافية!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2398 - الإثنين 30 مارس 2009م الموافق 03 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً