زرت لبنان في مطلع التسعينات وكان للتو قد خرج من الحرب الأهلية ومازالت آثار الحرب واضحة على شوارعه وبيوته وعماراته وزرته في السنوات الأخيرة أربع مرات كان آخرها قبل أشهر فوجدته تغير كثيرا وخصوصا في منطقة بيروت، إذ هناك عمران ملحوظ واقتصاد يتعافى نسبيا على رغم تراكمية الديون البالغة 37 مليار دولار تقريبا ولكن على رغم ذلك تجد أن هناك تغيرا ولو نسبيا.
لا أخفي عليكم ان أفضل منطقة أحب الجلوس فيها والتنقل بين اجوائها هي لبنان وخصوصا بيروت فاذا كنت تبحث عن المعرفة والحرية والمنابر السياسية تجدها في بيروت وإذا كنت تريد أن تبحث عن الأناقة والحداثة تجدهما هناك أيضا.
رفيق الحريري من حقك ان تختلف معه لكن الواقع يقول أيضا إن الرجل قاد مشروعات خيرية إلى فقراء في لبنان وله مؤسسات خيرية ومساهمات أيضا في ضخ الروح في عافية الاقتصاد اللبناني الذي ولد - أي الاقتصاد - من مخاض / سني الحرب العجاف فكان معوقا ومشوها لعبت فيه الطائفية والانتماءات الحزبية ما لعبت.
من المآثر التي تقرأها في مسيرة الحريري ولفتت نظري انه مشرف على مشروع تعليمي يرسل من خلاله أبناء لبنان والفقراء منهم للدراسة في أفضل الجامعات في الخارج، إذ أسس في العام 1979م مؤسسة الحريري الخيرية التي أسهمت في تعليم أكثر من 30 ألف طالب ولها مكاتب في بيروت، باريس، واشنطن وهولندا، فهو كان يحرص أيضا على عنصر التعليم بالنسبة إلى عدد كبير من اللبنانيين وهذه القيمة المعرفية التي تحترم العلم بمنطق إنساني قلما تتوافر في رؤساء المال واباطرة الاقتصاد وخصوصا في ظل تركز الماديات... عندنا الكثير من رجال المال كلما ازدادوا غنى ازدادوا بخلا وأنانية في الوقت الذي يوجد فيه رجال أعمال لهم مساهماتهم الإنسانية في العالم العربي وان قلوا.
لبنان لم يخرج من الصدمة ولن يخرج، فالحريري كان يصنف فمن التيار الليبرالي المعتدل وله شبكة علاقات واسعة على المستوى الدولي، وكان له دور في انجاح مشروع اتفاق الطائف. ما يحزنني ويخيفني هو عودة شبح الحرب في لبنان... ولا اعتقد هذه المرة ان تكون حربا أهلية ذلك ان جماعة الموالاة والمعارضة تحمل كل الأطياف ولكن السؤال: من قتل الحريري؟ ولماذا قتل؟ ولخدمة من؟
في المقابل يجب ألا نلقي الاتهام على عواهنه فلابد من تحقيق دولي لأننا تعلمنا في الدولة العربية أن القضايا الكبرى تقيد في نهاية المطاف ضد مجهول وعادة ما يراهن على الذاكرة المثقوبة للمواطن العربي. القضاء اللبناني عرف بالنزاهة وإذا تقاطب الجميع من الوطنيين في المعارضة والسلطة لجمع الخيوط ربما يصلون إلى الدليل المادي في ذلك.
لا اعتقد ان هناك عربيا لم يضع يده على قلبه خوفا على لبنان. فلبنان دائما ما يدفع أهله فاتورة الصراعات الدولية فكل المخابرات العربية والدولية حاضرة في لبنان وأصبح لبنان يحارب عن الآخرين سنين طويلة وأهله يدفعون ضريبة ذلك من فاتورة ارواح ابنائهم وهناك من لا يريد للبنان بلد الحضارة والديمقراطية والاناقة أيضا أن يتعافى ولاشك "إسرائيل" تحلم بيوم لعودة الفتنة في لبنان.
المنطقة العربية مقبلة على مستقبل مظلم ولن تهدأ حتى يتم ترسيخ الديمقراطية وتوزيع الثروات بشكل عادل ولو بنسبة متوسطة والسماح لتفاقم المشكلات والأزمات والاحتقانات قد يسمح بتسلل من يريدون النفخ في نار الفتنة "يا ست الدنيا يا بيروت"... هذه المدينة الجميلة طالما احترقت اصابعها في الماضي فماذا يا ترى يخبئ لها المستقبل بعد ما حدث ما حدث في يوم الاثنين. اللهم احفظها واحفظ أهلها جميعا آمين.
"قلبي عليك يا بيروت
وأنت تنامين على حجر
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 894 - الثلثاء 15 فبراير 2005م الموافق 06 محرم 1426هـ