صحيح أن مجلس الوزراء لم يعد طرفا مباشرا في العملية التشريعية. المواد الدستورية لا تعطيه أية سلطات بشأن ذلك، إذ يحصر دستور 2002 صلاحياته في أن "يعرض رئيس مجلس الوزراء مشروعات القوانين "التي ترفع إليه من جلالة الملك" على مجلس النواب..."، كما تنص المادة "81" من الدستور، من دون الحق في اقتراح القوانين. إضافة إلى ذلك يقوم رئيس مجلس الوزراء أيضا بتسلم القوانين التي وافق عليها المجلسان من رئيس مجلس الشورى، من دون الحق في الاعتراض أو الموافقة أو التعديل، ويرفعها إلى جلالة الملك للتصديق عليها، بحسب ما جاء في المادة "83" من الدستور.
هذه الوضعية تختلف عن دستور ،1973 الذي ينص صراحة على أن "الوزراء بحكم مناصبهم" "14 وزيرا" أعضاء في المجلس الوطني، الذي يضم ايضا ""أربعين" عضوا ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر..." في الفصل التشريعي الثاني، " كانوا 30 عضوا في الفصل الأول"، أي أن مجلس الوزراء كان مشاركا بشكل مباشر في العملية التشريعية، إذ كان للوزير المعين، كأي عضو آخر في المؤسسة التشريعية، حق اقتراح القوانين والتصويت عليها، ويستثنى من ذلك الحق في التصويت على الثقة في أي وزير، والتي تنحصر في الأعضاء المنتخبين.
بيد أن السلطات التنفيذية تتدخل في العملية التشريعية، بحسب نصوص دستور ،2002 من بابين: الملك الذي له حق التشريع، كما في المادة "35/أ"، التي تنص أن "للملك حق اقتراح تعديل الدستور واقتراح القوانين، ويختص بالتصديق على القوانين وإصدارها"، علما بأن جلالته رأس السلطات الثلاث، بما في ذلك السلطة التنفيذية، وهو "يمارس سلطاته مباشرة وبواسطة وزرائه، ولديه يسأل الوزراء متضامنين عن السياسة العامة للحكومة، ويسأل كل وزير عن أعمال وزارته"، ويمكن الملاحظة هنا أن الأمير بحسب دستور ،1973 "يتولى سلطاته بواسطة وزرائه"، لا مباشرة.
أما المدخل الثاني الذي تنفذ منه السلطات التنفيذية للتشريع، فهو الغرفة الأولى "مجلس الشورى" في المؤسسة التشريعية، وهي الغرفة التي يعينها الملك، ولأعضائها من الحقوق التشريعية ما لأعضاء المجلس المنتخب، بل إن المجلس المعين يمكن أن يرجح أي خلاف بين المجلسين بشأن أمر تشريعي، وذلك بترأس رئيس مجلس الشورى جلسات المجلس الوطني، الذي تأمل السلطات ألا يجتمع، ويعكس ذلك جانبا لا يبدو مقنعا للرأي العام، بأن يكون المعينون أكثر تأثيرا من المنتخبين.
إن سحب صلاحيات التشريع من مجلس الوزراء يأتي ضمن إعادة هيكلة الصلاحيات التي تمت في دستور ،2002 والذي قلص صلاحيات مجلس الوزراء إلى حد بعيد، ونقل جزءا رئيسيا منها إلى الملك، فيما سحبت المؤسسات التي أطلقها المشروع الإصلاحي الجزء الآخر: "البرلمان، البلديات المنتخبة، النيابة العامة...".
يعطي دستور 1973 صلاحيات واسعة إلى مجلس الوزراء. حين ينص في المادة "85" على أن "يهيمن مجلس الوزراء والوزراء على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الجهاز الحكومي"... "الهيمنة" المذكورة في النص السابق تحولت إلى "رعاية" في دستور ،2002 وتنص المادة "47/أ" منه على أن "يرعى مجلس الوزراء مصالح الدولة..."، فقط.
نقطة قوة أخرى يحظى بها مجلس الوزراء موجودة في دستور ،1973 تتمثل في المادة "76"، التي تنص على أنه "يجب أن تمثل الوزارة في جلسات المجلس "الوطني" برئيسها أو ببعض أعضائها"، ما يعني أنه يمكن لمجلس الوزراء تعطيل اجتماعات المؤسسة التشريعية، ويعطيهم هذا نفوذا هائلا، وحصل أن لم تنعقد الجلسات مرتين.
ويبدو لي أن هذه القوة عوضت في دستور 2002 بزيادة عدد أعضاء الغرفة المعينة، وهو ما يشكل استحالة شبيهة بوجوب الحضور، تمنع مرور قوانين غير مرغوب بها، ما يجعل حديث المذكرة التفسيرية لدستور ،2002 بأن أحد أهداف إنشاء المجلسين هو تفادي الصدام محل تساؤل.
في كل الأحوال، يبدو المطلب بزيادة الصلاحيات التشريعة للمجلس المنتخب منطقية، ويجب الدفع بهذا المطلب إلى الأمام، إذا كنا نود أن نكون مثالا، في منطقة أصبح فيها المنتخبون يشكلون الحكومة، كما في النموذج العراقي المقبل بقوة
العدد 894 - الثلثاء 15 فبراير 2005م الموافق 06 محرم 1426هـ