تؤسس العملية الاجرامية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري لتطورات دراماتيكية في موضوع العلاقات السورية - اللبنانية، بما يمكن أن تتركه من تأثيرات سلبية على الوضع اللبناني الداخلي من جهة وعلى العلاقات السورية - اللبنانية في وقت أصبح فيه الوجود السوري في لبنان والعلاقات السورية - اللبنانية موضع تجاذبات داخلية وضغوطات خارجية.
والأساس في التأثيرات السلبية لاغتيال الحريري، ناتج عن اختلافه مع السياسة السورية في لبنان، وهو موقف أسست له عملية التمديد للرئيس اميل لحود التي تمت برعاية سورية بخلاف ما كانت عليه رغبة الرئيس الحريري الذي وان عارض الرغبة السورية، فإنه لم يذهب الى التصادم معها، بل انه وقف ومجموعته البرلمانية الى جانب تعديل الدستور اللبناني ليصبح بالإمكان التجديد للحود لثلاث سنوات جديدة.
وعلى رغم معارضة الحريري لسياسة دمشق - اللبنانية فإنه لم يذهب في معارضته الى المدى الذي ذهب اليه معارضو سورية في لبنان من أعضاء قرنة شهوان، أو اصدقاء دمشق السابقين مثل النائب وليد جنبلاط، بل ان الحريري أبرز في آخر تصريحاته، ان معارضته لسياسة دمشق اللبنانية تنحصر في حدود اتفاق الطائف ولا تتعداه، وكان ذلك تعبيرا عن الروح الوسطية التي ميزت موقف الحريري في معارضته السياسة السورية، اذ لم يحضر ابدا اجتماعات المعارضة، لكنه ارسل من ينوب عنه في اجتماعاتها، ولم يشارك في أية هجمات على سياساتها، وهو لم يتخذ موقفا يضعف دمشق، وهو أمر يعني ابقاء الباب مفتوحا نحو علاقات ممكنة مع دمشق.
غير أن دمشق في موقفها من الوضع اللبناني وتطوراته وتردداتها السياسية فيه، ما كانت تتوقع تحولات بعض حلفائها الى خصوم مثل النائب جنبلاط والرئيس الحريري، ويبدو أن هذا دفع الى تصريحات وتلميحات صدرت عن دمشق بصدد حلفاء الأمس، لكن الأهم والأعنف في ردات الفعل صدرت عن ظلال سورية وحلفائها في لبنان وابرزهم وزير العمل اللبناني زعيم البعث اللبناني عاصم قانصو والنائب ناصر قنديل وآخرون بعثوا برسائل تهديد علنية ومبطنة ضد معارضي سياسة سورية في لبنان، بل ان رئيس الوزراء عمر كرامي الذي يمكن اعتباره بين رجال سورية الأساسيين في لبنان قد اشار في أحد تصريحاته الاخيرة الى "أن البلاد على مفترق طرق، وعلى اللبنانيين أن يختاروا بين أن يكون لبنان عربيا ذا سيادة واستقلال وبين أن يكون طائفيا ومشرع الأبواب لدخول الصهيونية"، وهو كلام يتضمن اتهاما واضحا للمسار السياسي الذي يتبناه تيار المعارضة.
ويمكن لخصوم سورية في لبنان، ان يستغلوا عملية اغتيال الرئيس الحريري، حتى وان كانت سورية بعيدة كل البعد عن العملية، والهدف من توجيه الاتهام الى سورية سيكون مزيدا من الإضعاف لوجودها في لبنان، وتكثيفا للضغوط الدولية عليها والتي تجد في الواقع اللبناني سندها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 والاصرار على تنفيذه لضمان انهاء الوجود السوري في لبنان والذي ترى فيه كل من واشنطن وباريس أساسا لـ"استقلال لبنان".
لقد استغل خصوم سورية قبل اشهر محاولة اغتيال الوزير حمادة، التي لم تتبين روابط لسورية معها، وغمزوا من قناة الوجود السوري في لبنان من دون ان يقولوا شيئا واضحا عن محاولة الاغتيال، التي لم يغلق ملفها بعد، وهو أمر قد يتكرر في موضوع اغتيال الرئيس الحريري.
ان اطرافا داخلية وخارجية متعددة، تبدو مستفيدة من اغتيال الحريري بعضها هدفه ازاحة الحريري من طريقه كقوة حقيقة وفاعلة في لوحة السياسة في لبنان، وبعضها يرى في اغتيال الحريري فرصة لخلط الأوراق اللبنانية من شأنها لخبطة الساحة اللبنانية بأكثر مما هي عليه الآن، والبعض يرى فيها ذهابا الى تصعيد الصراع في لبنان والباسه طابعا دمويا، وربما يكون ذلك بوابة لانتشار العنف الدموي الى ما هو ابعد من لبنان.
وكما هو واضح من الاهداف، التي تقف خلفها جهات مختلفة وربما متناقضة متعادية، فان كل تلك الاهداف تسبب انعكاسات سلبية على وجود سورية في لبنان وعلى العلاقات السورية - اللبنانية، لكن تحركا سوريا جديا وملموسا للمساعدة في كشف الذين اغتالوا رفيق الحريري قد يخفف من اثار اغتياله على سورية وعلاقاتها بلبنان
العدد 894 - الثلثاء 15 فبراير 2005م الموافق 06 محرم 1426هـ