يعتقد البعض أن الشعائر الحسينية التي يعظمها المسلمون في العشر الأوائل من شهر محرم الحرام في كل عام ضرب من ضروب الروتين الأجوف الذي يمر مرور الكرام على من يحيون هذه الذكرى الخالدة، والأمر ليس كذلك أبدا، فمنافع كربلاء تتجدد مع تجدد السنين والأيام.
ولو أردنا الوقوف على كل عطاء هذا البحر الخضم ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ومن هذا العطاء الشحن الروحي الذي يعبئ الأمة بروح النضال للمطالبة بالحقوق، والسعي للإصلاح في كل شئون الحياة وكانت كلمة الحسين في هذا المعنى جلية جلاء الشمس في رابعة النهار عندما قال "إنما خرجت للإصلاح في أمة جدي"، وكانت هذه الركيزة التي ارتكزت عليها الثورة الحسينية، فهي ليست ثورة مصلحة، أو جاه، أو منصب، بل هي حركة مطلبية تسعى للإصلاح.
ومن بين عطاء كربلاء أيضا الشحن الفكري وهذا العطاء الذي يتجلى من خلال الفعاليات الفكرية التي تقام في هذه الأيام وعلى رأسها المنبر الحسيني الذي يضطلع بدور كبير في تنشيط الحركة الفكرية الإسلامية عموما، والحسينية خصوصا، فالبحوث التي تلقى في هذا الموسم تثري الفكر من خلال التجديد في الخطاب الإسلامي ويتسلم ذلك جهابذة المنبر وعمالقته والمقتفون على آثارهم.
ولا يقف العطاء إلى هنا فهناك عطاء عاطفي يأسر القلوب، ويطرد منها القسوة، ويعلمها اللين والرقة من خلال ذرف الدموع على مصائب أهل البيت "ع"، كما أن ضمن عطاء كربلاء عطاء اجتماعي يروض المحتفلين بهذه المناسبة على اللياقة الاجتماعية إذ يكون هذا الموسم موسم تجمع يلتقي فيه سيول من البشر مع بعضهم ويقفون على حاجات بعضهم وقضايا بعضهم، وأوضاع بعضهم.
وكثير عطاء كربلاء ولو كتب بمداد البحر لنفد البحر ولم ينفد هذا العطاء الذي هو ليس روتينا أجوف كما يعتقد البسطاء أصحاب العقول الجوفاء، بل هو نهضة متجددة تنهض بالإنسان نحو الكمال
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 894 - الثلثاء 15 فبراير 2005م الموافق 06 محرم 1426هـ