في الرابع عشر من الشهر الجاري مرت أربعة اعوام على الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني، ويحق لنا أن نسترجع الذكرى ونقيم ما لدينا منذ مطلع العام . 2001
أعتقد أن أهم الانجازات تتمثل في إلغاء قانون أمن الدولة واطلاق الحريات العامة وما استتبع ذلك من اطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المبعدين والسماح بتأسيس التنظيمات الأهلية العلانية، وافساح المجال لظهور الصحافة المستقلة وتعزيز العلاقة بين رأس الهرم السياسي والقاعدة والشعور الذي يتمتع به المواطن البحريني عندما يعرف أن دولا أخرى في المنطقة العربية والخليجية تتمنى أن تحصل على ما حصل عليه شعب البحرين.
ولا شك في أن أية مسيرة لابد أن تصاحبها انجازات واخفاقات، والتركيز على الانجازات فقط قد يعمي الإنسان ولا يفسح له المجال للتطور والتقدم إلى الأمام. كما أن التركيز فقط على الاخفاقات يسبب الاحباط ويعكس باتجاه مخالف لما يأمله الجميع من توسيع ساحة الحريات العامة.
طرف من المعارضة ركز على الجانب الدستوري والإشكالات المصاحبة لاصدار دستور جديد في العام ،2002 ومن حق أية جهة أن تبدي رأيها... ولكن العتاب هو تحويل كل الاجندة إلى نقطة واحدة وعنوان واحد والجمود عليها على رغم أن هناك العشرات من القضايا التي لا تقل أهمية، بل إنها أهم بكثير لو نظرنا إلى الجانب الواقعي من المعادلة السياسية.
وأعتقد أن المقاطعين ساهموا في زيادة حال التشكيك إلى الدرجة التي ساعدت في تقوية الذين لا يودون رؤية أي توسيع لمساحة الحريات العامة التي بدأنا نتمتع بها منذ العام .2001 كما واعتقد ايضا أن هناك الكثير ممن استفادوا من مقاطعة جمهور انتفاضة التسعينات بحيث أصبح هذا القسم من المجتمع مهمشا أكثر من ذي قبل ولم تستطع المجموعات التي تحدثت باسمه خلال السنوات الثلاث الماضية تحقيق انجازات ملموسة على الأرض، سوى زيادة الشعارات وتكرارها من دون أي محتوى أو برنامج واقعي يتحدث بلغة مناسبة للمتغيرات المحلية والاقليمية والدولية.
وحاليا، فإن هناك قوى سياسة لا يستهان بها تأمل في أن يستمر جمهور الانتفاضة "انتفاضة التسعينات البحرينية" ومن يمثلهم من جمعيات واتجاهات في المقاطعة وفي استخدام خطاب التشكيك، لأن هذا سيصب أكثر في مصلحتهم وسيقلل من شأن قسم كبير من المجتمع، وبالتالي تنتقل كل الاستحقاقات وفوائد كل الانجازات إلى غيرهم.
الحديث المطروح من قبل البعض ناقص من عدة أوجه، وعدد غير قليل منهم يعلم أنهم تورطوا بعد رفع شعارات تضيق الخيارات وأصبحوا سجناء لها، وأصبحت عقولهم بعضهم مشلولة وأعينهم لا ترى حجم الخسائر التي سببوها لأنفسهم ولمن يمثلون من فئات مجتمعية. ولذلك فإن هناك حاليا من يرفع شعارات رافضة بشكل حاد، ولكنه في الوقت ذاته يستعد لطرح اسمه في الانتخابات البرلمانية، وهذا تعبير عن التناقض والحيرة التي يمر بها من رفع لواء تمثيل فئة تضررت كثيرا، بل إنها أكثر من تضرر، من حقبة أمن الدولة، وهي الآن أقل من يستفيد من حقبة ما بعد أمن الدولة.
الشعارات والهتافات قد تنفع في تحقيق "الارتياح النفسي" البسيط، ولكنها تورث التهميش والابتعاد عن ساحة السياسة والتحول إلى "مشاهد" لا يعرف التفاصيل الدقيقة لما يجري في ساحة الملعب السياسي، والنتيجة هي المزيد من الشعارات والمزيد من الابتعاد عن قلب الحدث السياسي والابتعاد عن دائرة الاستحقاقات تمر أمام العين لتختفي بعد حين، تماما كما هو حال السحاب الذي يمر مرورا على كثير من الناس من دون ان تكون لهم علاقة بما يجري فوق رؤوسهم
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 894 - الثلثاء 15 فبراير 2005م الموافق 06 محرم 1426هـ