القانون الدولي يتأسس حاليا على قرارات صادرة من مجلس الأمن الدولي، وعلى الاتفاقيات الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة، وهذه الاتفاقيات تصبح ملزمة للدول التي اعتمدتها وأصدرتها في جرائدها الرسمية بحيث تتحول إلى قوانين محلية مطابقة تماما لبنود الاتفاقية الدولية.
ولو أخذنا الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، فسنجد أن البحرين اعتمدت عددا منها وأصدرت قوانين محلية عبر الجريدة الرسمية لاعتمادها كقانون محلي. ولكن مع كل ذلك، فقد بقيت أكثرية هذه الاتفاقيات خارج إطار التفعيل، وذلك لأن القوانين المحلية الأخرى المعمول بها بقيت كما هي بعد اعتماد تلك الاتفاقيات. فلدينا مثلا قانون العقوبات للعام 1976، وقانون مكافحة الإرهاب للعام 2006، وغيرهما من القوانين المقيدة للحريات، وهي تخالف الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها البحرين واعتمدتها لاحقا كقانون صادر في الجريدة الرسمية (وهي الجريدة التي تصدرها الحكومة وتحتوي على كل القوانين والقرارات الملزمة للجميع).
البحرين مثلا اعتمدت في 27 مارس/ آذار 1990 اتفاقية منع جميع أشكال التمييز العنصري، واعتمدت في 13 فبراير/ شباط 1992 اتفاقية حقوق الطفل، واعتمدت في 3 يونيو/ حزيران 1998 اتفاقية مناهضة التعذيب، واعتمدت في 18 فبراير 2002 اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، واعتمدت في 20 سبتمبر/ أيلول 2006 العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واعتمدت في 27 سبتمبر 2007 العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وهذا يعني أن المواد التفصيلية لهذه الاتفاقيات الدولية (وهي جزء من القانون الدولي) أصبحت قانونا بحرينيا نافذا على الأرض. ولكن لو راجعنا ما يجري حاليا، فسنجد أن القضاء لم يعتمد أيا من هذه الاتفاقيات أساسا في المحاكمات التي تشهدها البحرين، كما أن الحكومة لم تنفذ البنود المذكورة في الاتفاقيات الملزمة.
وهناك اتفاقية فيينّا الخاصة بتفعيل الاتفاقيات الدولية Vienna Convention on the Law of Treaties والمادة (27) من هذه الاتفاقية الدولية تنص على أنه لا يجوز لأية دولة عضو اعتمدت أية اتفاقية دولية أن تقوم بتفعيل قانون محلي يناقض بنود الاتفاقيات الدولية. كما أن جميع الاتفاقيات الدولية التي اعتمدتها البحرين تحتوي بذاتها علىمواد تنص على أن بنود الاتفاقية الدولية تسمو على القوانين المحلية التي قد تخالفها.
ومع كل ذلك، فإن القوانين التي يتم تفعيلها هي ذاتها التي صدرت في حقبة أمن الدولة (مثل قانون العقوبات للعام 1976) أو قوانين صدرت بسرعة البرق ومُررت على البرلمان في نهاية فترة البرلمان الماضي في منتصف العام 2006 (مثل قوانين الإرهاب والتجمعات والجمعيات...)، وهذه تحتوي على مواد مناقضة تماما للاتفاقيات الدولية الملزمة التي وقعت عليها حكومة البحرين واعتمدت كتشريع صادر من الجريدة الرسمية.
ونجد أيضا أن العمل النقابي مازال دون المستوى الدولي المذكور في الاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية، ودون المستوى المذكور في اتفاق التجارة الحرة الذي اعتمدته البحرين مع الولايات المتحدة الأميركية. إننا بحاجة، ومن أجل إصلاح الأمور، أن نعيد النظر في القوانين المناقضة للاتفاقيات الدولية، ولاسيما أن البحرين ملزمة ومحاسبة دوليا أمام لجان متخصصة تابعة لآليات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. إننا بحاجة إلى خطة عمل تهدف إلى الانطلاق نحو تفعيل الاتفاقيات الدولية التي تم اعتمادها، وبحاجة الى تعطيل القوانين المحلية التي تنتقص من الحريات العامة والحقوق الأساسية للمجتمع.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2398 - الإثنين 30 مارس 2009م الموافق 03 ربيع الثاني 1430هـ